خطوات انفرادية ومؤذية داخل العراق

TT

يستعد الرئيس الأميركي بوش ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، لإبرام «مذكرة تفاهم» تمنح القوات الأميركية حق الاستمرار في تنفيذ عمليات عسكرية داخل العراق. لكن هناك مشكلة واحدة تتعلق بهذه المذكرة وهي أنها لن تشكل نصاً قانونياً ملزماً للولايات المتحدة. جدير بالذكر أن المذكرة تختلف عن «المعاهدة»التي تستلزم موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ حسبما تنص المادة الثانية من الدستور. كما أنها تختلف عن «الاتفاق التنفيذي البرلماني» والذي يتطلب موافقة غالبية أعضاء كل من مجلسي النواب والشيوخ طبقاً لما ورد في المادة الأولى من الدستور، وإنما تعد المذكرة مجرد تعبير عن النيات. وطبقاً لما أوضحه مكتب المستشار القانوني لوزارة الخارجية الأميركية، فإن مصطلح «مذكرة» يعتبر مصطلحا «شائعا في الإشارة إلى الوثائق غير الملزمة». ومن الواضح أن الولايات المتحدة تتحرك باتجاه معضلة قانونية مبهمة بسبب رفض الرئيس التقدم بطلب لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتجديد التقرير السنوي الذي يوفر الأساس القانوني لوجود قوات أميركية داخل العراق. وفي حال السماح بوصول هذا القرار لموعد انتهاء فترة سريانه قانونياً في 31 ديسمبر (كانون الأول)، فإن ذلك سيخلق حالة من الفراغ القانوني لا يمكن لمذكرة رئاسية أن تملأها.

والمؤكد أن الولايات المتحدة تحتاج لأسس قانونية متينة تحل محل تفويض الأمم المتحدة للمضي قدماً في عملياتها داخل العراق. ويجب إقرار اتفاق جديد لتناول القضايا اليومية، مثل توفير إمدادات السلع للجنود والتي عادة ما يتم التعامل معها بصورة حصرية من قبل الرئيس باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة. بيد أن الأهم من ذلك أن الاتفاق المطروح يتناول قضايا جوهرية تستوجب مشاركة الكونغرس، وعلى رأسها وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية من العراق. وفي إطار مساعيه للتوصل إلى اتفاق مع المالكي، تعمد الرئيس خلق ضجة إعلانية كبيرة حول قراره التفاوض بشأن وضع «أفق زمني عام» لانسحاب القوات، إلا أنه لم يبد استعداده لطرح الاتفاق على الكونغرس وعقد اتفاق بشأنه مع أعضاء الحزب الديمقراطي من أجل خلق أساس دستوري متين لسياسة دائمة تحظى بإجماع كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وفي حال توصل الحزبان إلى اتفاق، فمن المحتمل بدرجة كبيرة أن يعلن الرئيس أن هذه المذكرة تتمتع بوضع خاص ومن الممكن أن تشكل أساساً قانونياً لجميع عملياتنا داخل العراق. وإذا ما قام بذلك، فإن تصرفه ذلك سيأتي مخالفاً لقواعد الدستور، ذلك أن التاريخ الأميركي يخلو من أية سوابق تدعم إقدام الرئيس على إقرار التزامات ملزمة قانونيا بشأن استخدام القوة بدون الحصول على موافقة الكونغرس. علاوة على ذلك، فمن شأن اللجوء إلى استغلال المذكرة، تقويض الديمقراطية في العراق، وهي ذات الديمقراطية التي خضنا الحرب من أجل إرساء قواعدها. فمثلما تسمح المذكرة لبوش بتجنب مواجهة الكونغرس، تسمح كذلك للمالكي بالالتفاف حول البرلمان العراقي، الذي ينص الدستور العراقي على ضرورة موافقته على الاتفاقات الدولية الرسمية. يذكر أنه من المتوقع على نطاق واسع أن المالكي سيقدم على توقيع المذكرة بصورة انفرادية. وسيساعد ذلك رئيس الوزراء العراقي المقبل على إلغاء الاتفاق برمته على أساس أن هذه المذكرة، حال جعلها ملزمة، تم إبرامها بصورة مخالفة للدستور.

ورغم ادعاءات الرئيس بوش بأنه يعمل على إقرار أسس متينة للتعاون المستقبلي بين الدولتين، فإن هذه المبادرة التي يتزعمها من شأنها ترك مصير القوات العسكرية تحت رحمة التطورات السياسية العراقية.

في الوقت ذاته، من الممكن أن يسفر انتهاء فترة سريان قرار الأمم المتحدة دونما توافر بديل مشروع بشكل واضح، عن ظهور دعاوى قضائية أميركية تطعن في استمرار استخدام القوة في العراق. ومن شأن هذه الدعاوى إثارة قدر أكبر من الانقسام على الصعيد السياسي الأميركي وترك المؤسسة العسكرية في حالة من التخبط والشك إزاء الحدود المشروعة لعملياتها داخل منطقة حرب. وهناك حل بسيط يضمن حماية قواتنا ولا يستلزم منا التخلي عن قيمنا الدستورية الرئيسة ألا وهو تمديد فترة سريان تفويض الأمم المتحدة لستة شهور أخرى والسماح للرئيس المقبل بالتفاوض حول اتفاق يمكن الموافقة عليه من قبل الكونغرس والشعب الأميركي.

لقد آن الأوان أن يدرك الرئيس في آخر ولايته أن البلاد تكبدت بالفعل ثمناً فادحاً لسياساته الانفرادية المفرطة.

* أستاذان في القانون.. أكرمان في جامعة ييل وهاثاواي في جامعة كاليفورنيا

* خدمة «لوس أنجليس تايمز»

خاص بـ «الشرق الأوسط»