كوسة

TT

الكوسة نوع من أنواع الخضرة يتزين بها أي طبق وتتفاخر بها كل الموائد، ويتفنن في تحضيرها جهابذة المطبخ من رجال وسيدات؛ فمنها المسلوق ومنها المحشو ومنها المشوي ومنها المطور «بالباشميل» والمتأثرة باللمسة الفرنسية الخاصة.

ولكن طبعا عربيا تبقى «الكوسة» سيدة الكلمات وأبلغها في الوصف لحالة الفوضى والفساد الإداري الذي استشرى في القطاعات المختلفة.

أذكر هذه المقدمة كتعليق مبدئي على حكم القضاء في مصر الذي صدر أخيرا والذي يبرئ فيه صاحب عبارة السلام، التي غرقت في البحر الأحمر عام 2006 في حادثة مروعة تسببت في وفاة 1000 شخص في مأساة لا تنسى. وفور صدور الحكم تقدم النائب العام في مصر باعتراض على الحكم مطالبا باستئنافه.

والتحقيقات الأولية في قضية عبارة السلام كانت تشير بوضوح إلى القصور والإهمال والتسيب في مسألة الصيانة والسلامة المتعلقة بالعبارة مما يوضح أن هناك «مسؤولية» ما على الشركة المالكة وأصحابها على أقل تقدير.

ولذلك فالحكم الصادر، فيه من تحد سافر لمشاعر أهالي الضحايا والرأي العام بصورة عامة. وطبعا لا يمكن اعتبار أن حادثة العبارة هي الحالة الوحيدة من نوعها والتي تزهق فيها أرواح الناس من دون مساءلة أو عقوبة، فالأمثلة كثيرة جدا ومنها ما هو معروف وآخر مجهول ولكنها جميعا تصب في وعاء واحد يتعلق بقيمة الإنسان في مجتمعه وكيف يتم تقييمه فيه. فمدينة عانت مثلا لسنوات من مسؤول دمر منظومة الصرف الصحي فيها حتى تحولت المدينة إلى هدف ساخر للطرف بسبب هذه الأزمة الحادة التي أدت إلى وفاة العشرات وتفشي الكثير من الأمراض الوبائية وتهديد بنيتها التحتية بقنبلة موقوته قابلة للانفجار في حالة انهيار السد المؤقت الذي تجمع فيه فضلات الصرف الصحي بصورة مؤقتة.

وها هو السودان يعاني من أزمة عالمية بامتياز بسبب تسلط البعض على رقاب المواطنين وإطلاق العصابات ضدهم حتى أحدثوا المجازر والمآسي «بحماية» تامة لهم من النظام الحاكم نفسه دون عقوبة أو ردع.

وكذلك الوضع الأرعن في لبنان حينما تؤخذ القرارات بصورة فردية؛ فتارة تسمى مقاومة وتارة أخرى يكون ردع عنيف بحق المواطنين الأبرياء والعزل دون أن يتحمل أحد مسؤولية إهدار دماء من مات وخراب ما تهدم وترويع من خاف.

في ظل غياب واضح لمنظومة الثواب والعقاب سيغدو مصير كل جهاز إداري أرضا خصبة ومرتعا مهما للمحاسيب والاجتهادات وهذه لعمري مصيبة لا تقل فداحة عن الإرهاب والمخدرات والآفات الأخرى، ولا حل معها سوى مكاشفة جادة وسوية لا يستثنى منها أحد وتعلن حرب صريحة عليها.

وحتى إشعار آخر فلندعُ الخالق أن لا يكون نصيبنا من الكوسة إلا ما هو على الموائد فقط.. أما غير ذلك فلا يمكن «هضمه»!

[email protected]