أحمدي نجاد.. يميني محافظ أم يساري ثوري؟

TT

يبدو أنه مع غياب الرئيس الكوبي فيدل كاسترو عن المشهد السياسي، بات الرئيس الإيراني محمد أحمدي نجاد يرى نفسه القائد الطبيعي لليسار في العصر الحاضر. وقد كشف عن طموحه ذلك في الأسبوع الماضي، عندما ألقى خطابا في مؤتمر وزراء خارجية 120 دولة تشكل مجموعة حركة عدم الانحياز. وفي خطاب عاطفي، دعا لتشكيل جبهة تسمى «جبهة السلام والعدل»، وذكر بتأسيس حركة مشابهة بقيادة جوزيف ستالين في أواخر أربعينات القرن الماضي.

ومع ذلك فإن منافسي أحمدي نجاد داخل المؤسسة الخمينية كانوا يحاولون دائما وصفه بأنه عدو لليسار، وأنه بطل لليمين المحافظ. فأين مكان أحمدي نجاد إذاً على المسرح السياسي؟ وكيف يمكن وصف رجل يتهمه منتقدوه بأنه يقود الجمهورية الإسلامية إلى حافة حرب أخرى؟

ومن خلال نظرة قريبة على خلفية ومزاج وسياسات أحمدي نجاد، ندرك أنه بعيد تماما عن كونه محافظا. فهو في واقع الأمر قائد سياسي متشدد له أجندة ثورية.

ومعظم القواميس الإنجليزية تقدم هذا التعريف لمصطلح محافظ: «يميل أو يقرر تبنى وجهات نظر موجودة بالفعل، ويتميز بالهدوء والحذر». وكذلك فإن القواميس الفارسية تقدم تعريفا مشابها: «شخص يعمل على الحفاظ على الحقائق الموجودة بالفعل مع الرجوع إلى التقاليد والتميز بالهدوء».

وإذا نظرنا إلى هذه التعريفات، فإن أحمدي نجاد لا يمكن أن يعتبر محافظا. فهو لا يميل إلى «تبني وجهات نظر موجودة بالفعل»، كما أنه بالتأكيد لا «يتميز بالهدوء»، وكذلك فإن سياساته لا يمكن وصفها بـ«الرجوع إلى التقاليد والتميز بالهدوء». فهو لا يريد أن «يحافظ»، بل يريد أن يغير.

فأحمدي نجاد ثوري متشدد. فقد التحق بمجموعة طلاب كانت تعمل في الخفاء وهو في سن الـ17. وبعد ذلك بعامين كان شخصية قيادية في مؤسسة الطلاب، التي ساعدت آية الله الخميني على الوصول إلى السلطة. كما قضى عقدين من حياته في خدمة الثورة الخمينية في مجالات متعددة، بما في ذلك الحرب العراقية الإيرانية، التي استمرت 8 سنوات. وحاكما لمقاطعة أردبيل وبعد ذلك عمدة لطهران، لم يكن أحمدي نجاد محافظا على الإطلاق. فقد كان يحاول دائما تغيير الأوضاع الراهنة.

وفي عام 2005، أسس أحمدي نجاد حملته الانتخابية على أساس من الثورة اليسارية. وقد كان خصمه هاشمي رفسنجاني وهو رجل أعمال وعالم شريعة، يمثل جماعة المحافظين. وكان أحمدي نجاد هو المتحدي ومرشح التغيير الجوهري ووعد بأن يقضي على الفساد، كما بدأ أكبر حملة في التاريخ الإيراني لإعادة توزيع الثروة والدخل.

كما كانت حملات التخلص من المخالفين في أول سنتين من حكمه، لا توحي مطلقا بأنه «محافظ». ولم تشهد الجمهورية الإسلامية مثل هذه الحملة خلال ربع قرن من الزمان. لقد فقد الآلاف من الشخصيات مناصبهم ومميزاتهم كموظفين كبار في الدولة، ومن هؤلاء وزراء ومحافظون وسفراء وقادة عسكريون ورؤساء تنفيذيون لشركات عامة.

ومع أن أحمدي نجاد لم ينجح في الوفاء بوعده بإعادة توزيع الثروة، إلا أنه نجح في توجيه مليارات الدولارات إلى آلاف المشاريع الصغيرة التي حولت جزءا من دخل الدولة إلى الفقراء بدلا من الأغنياء.

وكذلك فإن سياسات أحمدي نجاد في مجالات أخرى كانت تتميز بالتشدد. فقد استأنف تخصيب اليورانيوم وعمل على تسريع وتيرة البرنامج النووي الإيراني، بهدف حصول إيران على التقنية العلمية في المجال النووي. وإذا نجح في ذلك، فإن الجمهورية الإسلامية سوف تحصل على القاعدة التقنية والعلمية والصناعية التي تحتاج إليها لتصبح قوة نووية جديدة.

وبمعنى سياسي أوسع، فإن أحمدي نجاد قائد ثوري. فهو يصمم على تحدي القيادة الأميركية للنظام العالمي، حيثما كان ذلك ممكنا، من خلال البحث عن التحالفات في جميع أنحاء العالم. وقد قام بالفعل بتكوين مجموعة حلفاء من القادة اليساريين في أميركا اللاتينية، وفاز بقيادة مجموعة دول عدم الانحياز. وقد أوضح مرارا وتكرارا أنه لا يقبل الوضع الراهن في الشرق الأوسط، مثلما قد يفعل أي محافظ. وقد بدأ أحمدي نجاد توجها عازما على تولي زمام القيادة في هذه المنطقة. كما أوضح أن «مسح إسرائيل من الخارطة» هدف استراتيجي للجمهورية الإسلامية. وبمعنى آخر، فإنه لا يرغب في «الحفاظ» على الوضع الراهن في الشرق الأوسط، حيث تعتبر فيه إسرائيل هي القوة النووية الوحيدة. وهو يرغب في أن يغير هذا الوضع بصورة جذرية، مثلما يمكن أن يفعل ذلك أي قائد ثوري.

والعديد من المعلقين يؤسسون تحليلهم على السلوك الغريب للجمهورية الإسلامية على أساس أنه نوع من الصراع بين جماعتين متنافستين. وأعتقد أن ذلك الأمر صحيح. فالمؤسسة الحاكمة منقسمة إلى اتجاهات متعددة ترجع في معظمها إلى جماعتين متنافستين. والمشكلة هي أن المعلقين يفشلون في تحديد هاتين الجماعتين. وفي واقع الأمر، فإن الجماعة المحافظة تعارض أحمدي نجاد بينما جماعة الثورة المتشددة تدعمه.

وفي الوقت الحالي، فإن جماعة المحافظين يقودها رفسنجاني وتدعمه شخصيات، مثل الرئيس السابق محمد خاتمي. وتأمل هذه الجماعة في «الحفاظ» على الوضع الراهن، الذي صنعته ثلاثة عقود من حكم الثورة الخمينية. وتأمل هذه الجماعة في أن تحافظ على وضعها ومميزاتها وربما تزيد منها إذا استطاعت إلى ذلك سبيلا. وهي لم تعد تحلم بـ«تصدير» الثورة الخمينية، ولا ترغب في تحدي النظام العالمي. وكل ما ترغب فيه هذه الجماعة هو مقعد على مائدة النظام العالمي.

وجماعة المحافظين مستعدة لاستخدام «التقية» وهي تقليد يقتضي الخداع والمراوغة فيما يتعلق بالمشكلة النووية.

ومع ذلك، فطالما أن اتخاذ القرار محدود في المؤسسة الخمينية، فإن رسالة أحمدي نجاد الثورية المتشددة تحظى بفرصة أفضل للفوز. والخمينية هي فكر ثوري يهدف إلى السيطرة على العالم، مما يعمل على الإسراع من ظهور «الإمام المختفي». وقد نجح أحمدي نجاد في إنعاش حياة الثورة الإيرانية. وأعاد شحن طاقة العناصر الخمينية التي كانت قد بدأت في فقد إيمانها بأن الثورة قد خلقت طبقة اجتماعية جديدة لها ميزات جديدة وأنها قد أوقعت بالعديد من الإيرانيين فريسة للفقر.

وسوف تكون الولايات المتحدة وحلفاؤها على خطأ إذا أسسوا سياساتهم تجاه إيران على أساس أن الشعب الإيراني يحب رافسنجاني و/ أو أن خاتمي يمكنه أن يروض الثورة الإيرانية لتتخلى عن أهدافها الاستراتيجية. وإذا كانت الولايات المتحدة وحليفاتها ترغب في عقد صفقة مع الجمهورية الإيرانية، فإن عليها أن تتجه بخطابها إلى الجماعة التي تمثل النظام الثوري المتشدد بقاعدته الشعبية، وهي جماعة أحمدي نجاد.

فأحمدي نجاد يقف ناحية اليسار مثله مثل كيم سونغ رئيس كوريا الشمالية وكاسترو في كوبا وهوغو شافيز في فنزويلا ودانيل أورتيغا في نيكاراغوا ورافائيل كوريا في الإكوادور وإيفو مواراليس في بوليفيا.

وقد فهم باراك أوباما المرشح الديمقراطي لمنصب الرئاسة في الولايات المتحدة هذه الحقيقة عندما أعلن عن أنه مستعد لعقد مباحثات مباشرة وغير مشروطة مع أحمدي نجاد. وإذا كان على المرء أن يستسلم فإنه من الأفضل أن يختار الرجل الذي أجبره على الاستسلام في أول الأمر. وليس يجدي شيئا الاستسلام لأولئك الذين لا يكادون يتحكمون في قاعدتهم السياسية.