حقوق الإنسان وعقلية السادة

TT

أحد التصريحات المستفزة التي وقعت عليها عيناي ما نسب الى احد اعضاء جمعية حقوق الانسان السعودية، عندما سئل عن حادثة خادمة هربت من رب عملها، واثناء فرارها علقت قدمها في انابيب مما اضطر الى استدعاء انقاذها لاطلاقها. رفض تبرير الخادمة، انها هربت من سوء المعاملة، مؤكدا ان الخادمات يرتكبن جرائم الهروب من بيوت الخدمة. كيف عرف رجل حقوق الانسان هذه الصفة الحقيرة انها ملازمة للخادمات؟ قال ان خادمتين هربتا من بيته رغم انه كان يعاملهما معاملة حسنة!

حتى لو قال بمثل الرأي شخص عادي، لا يعمل في منظمة تقول انها تسخر نفسها لخدمة حقوق الانسان، لكان قد استحق العتب فما بالنا ان كان صلب عمله الدفاع عن المظلومين الضعفاء؟

لم ينته دفاعه عن السادة المظلومين هنا، بل برهن على صحة كلامه علميا بان ايا من جيش الخدم والخادمات الذي يعمل في المملكة لم يتصل بجمعيته مشتكيا من سوء المعاملة. وهذا يناقض مع ما قاله عضو آخر لصحيفة «الفاينانشال تايمز» من أن هناك عدة تقارير عن سوء معاناة العاملات مثل ارهاقهن بساعات عمل تتجاوز 15-20 ساعة في اليوم، من دون علاوات إضافية، بالإضافة إلى شكواهن الرئيسية وهي المنع من الطعام، والبعض منهن صرح بتعرضه للضرب والتحرش.

لا ادري كيف يقبل اي انسان يفكر بمنطق ان الخدم لا يظلمون لانهم لا يشتكون. ومع تقديري لجمعية حقوق الانسان فانها ليست في عرف الخدم منظمتهم، فاكثرهم ليس مثقفا ليطالع انباء الجمعية في الصحف، ولم ير حملة كبيرة تتحدث عن حقوق عمال المنازل يتردد صداها في غرفهم المتواضعة وبين افراد جاليتهم. فالباحث عن مساعدة يهرب عادة الى سفارة بلاده او يستعين بالشرطة. جمعية حقوق الانسان السعودية، والمتحدث الرسمي باسمها زميلنا الدكتور زهير الحارثي، اعرف انها تؤدي عملا رائعا في الدفاع عن السعوديين في السجون المحلية والسجون الاجنبية، بمن فيهم متهمو تنظيم القاعدة، لكن يبدو ان الخدم لا يعرفون رقم هاتفها او عنوانها.

ولو عرفوه، وصارت للجمعية سمعة المنقذ، لربما ما سكت هاتفها عن الرنين. واذا كان عضو حقوق الانسان واثقا ان كل الخدم يعاملون دائما معاملة حسنة عليه ان يسأل مراكز الشرطة ووزارة الخارجية حتى يعرف كل الحقيقة. هناك شكاوى يندى لها الجبين، في بعضها اساءات مروعة، وحرمان من الحقوق البسيطة للانسان، واستخدام بلا دفع الاجرة تجعلها خدمة اقرب الى العبودية. وواجب عضو الجمعية ان يبحث عنها، ويساعد المحتاجين من الخدم، لا ان يسيء الظن بان كل الخدم جشعون ومحتالون وكذابون. هناك خدم سيئون مثلما ان هناك مخدومين سيئون، ككل فئات المجتمع، وليس لنا الا ان نحسن الظن اولا، ونمنح الرأفة أكثر للأضعف في المجتمع.

فالخادمة التي هربت ربما لأنها عوملت معاملة سيئة، أو قد تكون بالفعل فرت لانها تطمع في بيت اكثر كرما. وفي كلا الحالتين لا يحق لموظف حقوق الانسان ان يفترض في امرأة غريبة بعيدة عن اهلها وديارها انها سيئة وجشعة، وانها، وبقية الخدم، لا يشكرون نعم سادتهم عليهم، بدليل ان خادمتين هربتا من منزله في الماضي، متناسيا ان في البلد اكثر من مليون خادم وخادمة لا اثنتين فقط.

[email protected]