كتابات للصيف في أثر معلقة ذهبية

TT

هذه إحدى أعجب الرحلات في التاريخ. ليس في صعوبتها، فطالما عبر الرحالون الصحارى، بل في غايتها. هذا أستاذ من أميركا، درس الأدب العربي في أوكسفورد ودرسه في هارفارد وشيكاغو، يأتي إلى نجد ليعبر الصحراء في أثر شاعره الجاهلي المفضل، لبيد بن ربيعة، من أجل «أن يفهم» كيف كتب الشاعر النجدي معلقته الذهبية.

ينصرف الدكتور وليم بولك، وقد بلغ الثمانين من العمر، إلى وضع سيرته الذاتية. وفي السيرة فصل يروي فيه كيف ذهب إلى الملك فيصل بن عبد العزيز أوائل الستينات، يطلب منه الإذن في عبور الصحراء بين الرياض وعمان، «الأردن» على خطى لبيد. ومن أجل هذه السلسلة من «كتابات للصيف» أطلعني الدكتور بولك، مشكورا، على الفصل المتعلق بالرحلة. يروي الدكتور بولك: «قرأت معلقة لبيد للمرة الأولى في أوكسفورد، حيث كانت جزءاً من الكتب المقررة في برنامج الدراسات الشرقية في أوكسفورد، وبعدها درَّستها مرة أو مرتين في هارفارد. لكن بقي يلح علي أن أترجمها بنفسي إلى الإنكليزية. ولكن من أجل ذلك لا بدَّ أن أدرك تماماً معاني ما كتب. كيف أشعر بما أرادني أن أشعر به؟ وهكذا اخترت أن أفعل ذلك عن طريق الرواية المتخيلة، أو بالأحرى المستعادة، من خلال الاقتراب، ما أمكن، من الحياة التي عاشها لبيد. سوف أعبر الصحراء على ظهر جمل كما فعل، أتعرض للرياح والمطر، أجوع أحياناً وأعطش غالبا».

«بعد تفكير استغرق عدة أشهر ذهبت إلى الرياض لأعرض المشروع على الملك فيصل. راقت له طرافة الفكرة، فوافق. لكن الملك شعر بخوف عليَّ. فما دمت مصراً على القيام بالرحلة فإنه سوف يزودني بسيارة كاديلاك مبردة ويرسل الطعام إلى خيمتي كل مساء. واعتذرت بكل احترام، شارحاً أنه من أجل ترجمة أكثر دقة للمعلقة، لا بد أن أمر بما مرَّ به لبيد. غير أنه قال بعطف: «ما تريد أن تفعله لم يعد يقوم به أحد اليوم. لا أحد يعرف الصحراء الآن وجمالنا قليلة وكذلك هوادجها. ولكن إذا كنت مصراً دعني أفكر مجدداً في الأمر».

«جاءت الموافقة من الملك فيصل. وأصدر أمراً بتزويدنا بالإبل. وفي السادسة من صباح اليوم المقرر تجمعنا أمام قصر الأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض. وبدأنا من هناك رحلة إلى عمان طولها 2000 كيلومتر».

إلى اللقاء