(تدمير الذات) المتبادل.. أخطر على الفلسطينيين من كيد عدوهم

TT

صديقك من نصح لك بالحق.. وانتقدك أيضا بالحق.

وأخوك من نصرك ظالما أو مظلوما: نصرك مظلوما بالدفاع عن حقوقك.. ونصرك ظالما بكفك ـ بالنصح ـ عن ظلمك لذاتك.

ولقد كتبنا ما نحسبه أداء لـ (لبعض الواجب) تجاه الفلسطينيين وقضيتهم العادلة 100%.

لقد قيل: إن الاحتلال الصهيوني لفلسطين هو (جريمة القرن العشرين) ومؤامرته الكبرى.. والقول صحيح وموثق بـ:

1 ـ ما قاله ونستون تشرشل عام 1945 في مؤتمر يالطا، إذ قال:«أريد أن أبدأ كلامي بأن أعلن في بداية الأمر انني صهيوني أومن بأن من حق اليهود أن يكون لهم وطن قومي وأن تكون لهم دولة يهودية».

2 ـ ان كلام تشرشل (صدى) سياسي واستراتيجي تطبيقي لكلام قاله فيلسوف الإرهاب الصهيوني المعروف (جابوتنسكي) فقد قال ـ عام 1939 ـ:«ليس لنا خيار آخر قط. يجب أن يخلي العرب المكان لليهود في هذه الأرض. ونحن اليهود نشكر الله، حيث اننا لا ننتمي الى الشرق. لذلك يجب أن نكنس الروح الإسلامية من أرض اسرائيل».

3 ـ وهذه المفاهيم الشريرة المتآمرة الظلوم مسبوقة بقرار أو وعد أصدره عديم الضمير: اللورد الانجليزي بلفور عام 1917 ـ وكدليل على فقدانه الضمير، فإنه أراد هو وقومه (الخلاص) من المشكلة اليهودية (بترحيلها)، إلى ديارنا، ذلك ان بلفور نفسه ضغط عام 1906 ـ عندما كان رئيسا للوزراء ـ لكي يحرّم هجرة اليهود الى بريطانيا!!

4 ـ ترتب على ذلك، أو نتج عنه: الاحتلال الصهيوني لفلسطين عام 1948. وهو احتلال يعد (جريمة القرن العشرين): بالمعنى القانوني والسياسي والأخلاقي للجريمة:

أ ـ فهي جريمة لأنها (احتلال لأرض الغير بالقوة).

ب ـ وهي جريمة لأنها شردت شعبا كاملا من أرضه وحرمته من بيوته ومزارعه ومصانعه وبيئته الطبيعية التاريخية.

جـ ـ وهي جريمة لأنها لا تزال مستمرة حتى اليوم.

هذا كله صحيح وموثق بـ (الكيد الدولي).. وبالدم الفلسطيني.. والبؤس الفلسطيني الذي لا نظير له في عالمنا وعصرنا. فلكل (شعب) في عصرنا وعالمنا:(أرض ودولة ووطن) باستثناء الشعب الفلسطيني الذي توعده الإرهابي الصهيوني جابوتنسكي بـ (التشريد المطلق الدائم) فقال:«يجب أن يخلي العرب المكان لليهود في هذه الأرض أرض، اسرائيل»!!

نعم.. هذه المأساة الكبرى: مرئية صورتها، معروفة وقائعها ومقابحها.

ولكنها ـ على ظلمها وقبحها ـ تهون «!!!!» الى جانب (التدمير الذاتي) الذي يتبادله الفلسطينيون، بل يتبادله ـ بالتحديد والضبط ـ أكبر حركتين فلسطينيتين كفاحيتين هما حركتا: فتح وحماس.

وهذا مفهوم يتطلب مزيدا من سطوع المعنى، وتحرير العبارة، إنه مهما عظم الكيد الخارجي، وضغن الأعداء وقسوتهم وظلمهم، فإن ذلك كله سيتحطم يوما ـ بعد أو قرب ـ إذا صح (تماسك الجبهة الداخلية)، وإذا صح (الوعي ـ السياسي والاجتماعي والأمني والفكري والحضاري) بأن أكبر خدمة لمخططات الأعداء تتمثل في (صدوع) في الجبهة الداخلية تسهل مهمة الأعداء في تحقيق تلك المخططات: بارتياح، وبلا تكلفة تذكر!!.. ولو ان اسرائيل انفقت كل ما لديها من أرصدة مالية، وسخرت كل ما عندها من أجهزة استخبارات تخصصت في الدس والوقيعة والفتنة: لما استطاعت ان تفعل بالفلسطينيين ما فعلوه هم بأنفسهم.

إننا نشاهد: ان اخوة الكفاح والتحرير ـ في فتح وحماس ـ يتبادلون الاعتقالات والتعذيب والسجون وحملات الضغن والكراهية والتشويه والتقبيح والتدمير (البيني).

وهذا كله (تدمير للذات) من جهة.. وخدمة عظمى ـ منقطعة النظير ـ لاسرائيل من جهة أخرى.. اسرائيل التي يقول الجميع انها عدوهم، ومحتل أرضهم، ومشرد شعبهم ومبيده: بالحصار والحرمان والتجويع.

ولمزيد من إشباع هذا المفهوم (مفهوم أن تدمير الذات أخطر على الذات من مكايد العدو)، ينبغي كتابة سطور في تأصيل هذا المفهوم: علميا ودينيا واستراتيجيا وأمنيا.

1 ـ أرسى العلم الكوني حقيقة راسخة تقول:«إن كل قوة في هذا الوجود لا يمكن أن تؤدي عملها إلا إذا وجدت جهازا قابلا».. ولا ريب أن تصدع الصف الفلسطيني هو (الجهاز القابل) لمخططات عدوهم الصهيوني، ولا قيمة ـ عندئذ ـ للاجتهادات السياسية الجزئية التي يتعلل بها هذا الفريق أو ذاك.

2 ـ هذه النقطة تفضي الى التأصيل الاستراتيجي والأمني للمفهوم الذي معنا، وهو تأصيل يستند الى (الإدراك العالي والناجز) لمخططات الأعداء في اختراق الجبهات الداخلية وتفتيتها. لقد نشرت جريدة (هآرتس) الاسرائيلية تقريرا موثقا قالت فيه:«إن الموساد صمم خطة هدفها تمزيق الوطن العربي بفتن داخلية في كل بلد عربي، وبث الخلاف والصراع بين الدول العربية. ولقد اقتنعت الحكومة الاسرائيلية بهذه الخطة واعتمدتها منذ عام 2000».

وهي خطة مرتكزة على نظرية اسرائيلية أسبق وأوسع تقول: إن استقرار اسرائيل وازدهارها مشروطان بالاضطرابات الدائمة في الوطن العربي.

ومما لا ريب فيه: ان نصيب الفلسطينيين من خطة التفتيت هذه: أكبر من أنصبة غيرهم.. لماذا؟.. لأن الفلسطينيين هم الدائرة الأقرب والأخطر في خريطة (ترتيبات العداوات) بالنسبة لاسرائيل.

3 ـ الركيزة الثالثة في تأصيل مفهوم: (إن العداوات والخلافات الذاتية أشد فتكا من العداوات الخارجية): وفي كل شر، هو التأصيل الديني ـ ذو البعد الاجتماعي والسياسي والحضاري ـ.. وهذه هي أسانيد التأصيل:

أ ـ في غزوة بدر اختلف بعض المسلمين على (الأنفال)، أي الغنائم. وكان المتوقع ـ وفق النظرة البشرية المعتادة ـ أن يتنزل القرآن بالجواب المباشر عن سؤال «يسألونك عن الأنفال».. بيد أن القرآن فتح الوعي والتفكير والضمير على القضية الأكبر والأهم وهي (وحدة الصف)، و(إصلاح ذات البين):«يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين».. ثم بعد 40 آية شرع القرآن يتحدث عن توزيع الأنفال.. وها هنا ملحظ جرمهم وهو: ان انفال بدر كانت موجودة مضمونة.. أما أنفال الفلسطينيين (وهذا تعبير مجازي) فهي غير موجودة وغير مضمونة: الأرض.. والدولة.. والأنصبة السياسية، فعلام الصراع على شيء غير موجود وغير مضمون؟!

ب ـ كان من آخر وصايا النبي صلى الله عليه وسلم ـ في حجة الوداع ـ:«لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض».. فالصراع أو الاقتتال نوع من (الكفر) الذي من مفاهيمه (الكفر بوحدة الصف).. ثم انه كفر يغرق ممارسيه في فتنة تلهيهم عن مواجهة الأعداء المشتركين.

أيها الفلسطينيون في الضفة (المحتلة)، والقطاع (المحتل): انكم تتصارعون فوق أرض لم تتحرر، فاخجلوا من أنفسكم، واخجلوا من ذراريكم المفجوعين مما يجري، واخجلوا من المناصرين لقضيتكم.. اخجلوا وكفوا عن الاعتقالات المتبادلة.. الغبية والسفيهة.

كلكم يبكي على (الوحدة الوطنية) فمن ذا الذي يذبحها والحالة هذه؟.. لقد سمعنا عن حوار قريب بينكم يجري في القاهرة برعاية مصرية.

وستظل شعارات الحوار و(الوحدة الوطنية) مجرد أكاذيب، ومجرد ماكياج سياسي يجمل الوجوه أمام الشعب: ما لم يتحول الحوار الى سلوك عملي متمثل في برنامج وطني ينهي الصراع ويحفظ الحقوق ويواجه المحتل بوسائل متفق عليها.