أمريكا والقوة الذكية

TT

تمثل الجامعات ومراكز البحث والتفكير (Think Tanks) في الولايات المتحدة الأمريكية إحدى الروافد الرئيسية المساعدة في صياغة الكثير من سياسات أمريكا الخارجية والداخلية، وذلك من خلال التفاعل بين هذه المؤسسات والحكومات المتعاقبة على البيت الأبيض على اختلاف انتماءاتها الحزبية، فكثير من السياسات والخطوط العريضة لاتخاذ القرار في أمريكا هي نتاج عقول المنتسبين لتلك المؤسسات الأكاديمية والبحثية، مما رسخ البرجماتية في السياسة الأمريكية وجعلها تقليداً سياسياً وأمراً مقبولاً لدى الرأي العام الأمريكي، كون تلك التحولات في سياساتها إن حصلت فإنما هي نتيجة دراسات وبحوث ونقاشات مؤسساتية وموضوعية وليست نتاج اجتهادات فردية فقط، ومن هذه السياسات ما يعرف بالقوة الناعمة (Soft Power)، وهو المصطلح الذي قدمه قبل عقدين من الزمن العميد السابق لكلية جون كينيدي للدراسات الحكومية في جامعة هارفرد (Joseph.S.Nye.Jr)، حيث عرف القوة الناعمة بأنها القدرة على كسب العقول والقلوب لتحقيق الأهداف السياسية المطلوبة، وهي خلاف ما يسمى بالقوة الصلبة (Hard Power) والتي تستخدم القوة فقط لتحقيق تلك الأهداف.

وقد مرت الإدارة الأمريكية الحالية في تطبيقها لسياساتها حول العالم، وخاصة في الشرق الأوسط وأفغانستان، عند استخدامها للقوة الناعمة والقوة الصلبة بفترات من التجارب، وقد خضعت تلك التجارب للتقييم من قبل الباحثين السياسيين في أمريكا، ودارت حولها النقاشات في الجامعات ومراكز البحث، ومن تلك النقاشات ما تم في جامعة هارفرد يوم 12 يوليو 2008م في مركز بيلفر للعلوم والتكنولوجيا والسياسات العامة، حيث تحدث البروفيسور جوزيف عن سياسات الإدارة الأمريكية الحالية في أفغانستان والشرق الأوسط. ففي حديثه عن الحالة الأفغانية أوضح أن رفض طالبان للتعاون في عدم منح القاعدة ملاذا آمنا في أفغانستان حتم على إدارة الرئيس بوش الاعتماد كليا على القوة الصلبة في تعاملها مع طالبان، وأن استخدام القوة الصلبة في هذه الحالة أمر مبرر، أما في الحالة العراقية فقد انتقد البروفيسور جوزيف الاستخدام المفرط وغير المبرر من قبل الإدارة الأمريكية للقوة الصلبة في تعاملها مع العراق، وعدم استخدامها للقوة الناعمة جنبا إلى جنب مع القوة الصلبة إلا في السنوات الأخيرة. وحسب رأيه فمن النادر جدا أن يعتمد الساسة على استخدام القوة الناعمة المطلقة فقط أو القوة الصلبة المطلقة فقط، فأغلب الساسة ينتهي بهم الأمر باستخدام خلطة من القوتين الناعمة والصلبة أو ما يعرف بسياسة العصا والجزرة، وهذا هو الخيار الذي يفضله الكثير من الساسة وأصحاب الرأي في أمريكا للتعامل مع الملف الإيراني لتفادي تكرار الخطأ الذي ارتكبته الإدارة الأمريكية في تعاملها مع العراق. وتلك الخلطة بين القوتين الناعمة والصلبة أنجبت مصطلحا جديدا في حقل السياسة الخارجية أطلق عليها البروفيسور (Joseph) مصطلح القوة الذكية (Smart Power).

فهل تلتقي البرجماتية الأمريكية مع الإيرانية على اختيار القوة الذكية كخيار للتعامل مع الملف النووي الإيراني؟ أم يدفع الشعب الإيراني ثمن القوة الغبية لقيادته؟