الولادة النووية الإيرانية اقتربت.. أي حرب تُنتظر؟

TT

(1) الإصرار على عدم بحث تجميد (وليس وقف) تخصيب اليورانيوم خلال فترة التفاوض، (2) والتصريحات المتشددة للمسؤولين الإيرانيين، (3) وتعمد إطالة أمد المفاوضات من خلال ربط الملف النووي بمواضيع دولية وإقليمية غير مترابطة، (4) والتهديدات بغلق مضيق هرمز وحرق المنطقة، (5) والتجارب الصاروخية المتكررة، (6) وإجراء المزيد من المناورات القتالية في الخليج العربي،(7) وتراكم الخبرات النووية خلال ثلاثة عقود من البحوث، (8) وعمليات تهريب التكنولوجيا النووية، (9) وما نشر عن تعاون مع خبراء باكستانيين في مجال تسويق مواد ممنوعة من دون علم إسلام آباد، (10) وحديث نجاد الصريح عن ان إيران قوة نووية ودولية لا إقليمية، (11) وحركة المعلومات الاستخبارية المثيرة، (12) والقلق الغربي والعربي حيال السياسة الإيرانية، (13) ورفض التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مجال التحقق من البرامج النووية العسكرية، (14) وأخيراً إعلان نجاد عن زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي الى نحو ستة آلاف جهاز من ثلاثة آلاف قبل بضعة أشهر. ألا يكفي هذا التزاوج المتناسق لتوقع ولادة نووية إيرانية قريبة؟ وإلا لماذا الخوف من التعاون وقبول التدقيق لتفادي العزلة والعقوبات، وربما حرب واسعة، لو لم تكن لإيران برامج غير شرعية؟ ويقول المثل الإيراني (الدولمة لو ما فيها حيلة ليش صارت ملفوفة).

من الناحية الاستخبارية، تشكل المؤشرات المذكورة دلائل حاسمة في تقييم النيات الخطيرة، ومن غير الواقعي توقع قدرة أي جهاز استخباري على إحصاء أنفاس المسؤولين الإيرانيين. ربما كان ذلك قائماً خلال حرب السنوات الثماني! وإذ تكون الحال هكذا فأي حرب يمكن أن تقع؟ طبقاً للقراءات لا التمنيات. القائمة طويلة لأن الجميع متفقون على أن امتلاك إيران سلاحاً نووياً هو (أسوأ) الكوابيس وأخطرها. ربما يخرج عرب المنطقة عن صبرهم والوقوف علناً الى جانب الغرب في درء الأخطار، وتنشب حرب الخليج الرابعة بحثاً عن خلاص من وجع رأس طال دواؤه؟ وقد يخوضها الغرب بدعم مالي ومعنوي وسياسي ولوجستي من دون ضجيج.

أو تشعل إسرائيل فتيل حرب بتوجيه سلسلة ضربات جوية وصاروخية على أهداف إيرانية.

وليس مستبعداً أن تفاجئ إيران العالم بتفجير نووي في صحارى الوسط الشاسعة، وعندئذ تبدأ مرحلة أخرى لبسط السيطرة على المنطقة. فالمثير لدهشة البعض ان الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني، غير الراضي عن سياسة نجاد، والمفترض انه بات من دعاة الاعتدال، قد كشف عن بقاء ملف المطالب الإيرانية مفتوحاً بتغريم العراق مائة مليار دولار تعويضات حرب، وهي قليلة للغاية على حد قوله. وإذا ما رفض العراقيون ذلك، وتبدو الحال كذلك، فهل تغري إيران قوتها وقنبلتها وتحتل حقل مجنون مثلا، أحد أغنى حقول النفط، وهو على مرمى حجر عن الحدود. فالمطالب الإيرانية لا تميز بين حاكم وآخر وطائفة وأخرى عندما يتعلق الأمر بالمصالح، لاسيما في ضوء نفور العرب الشيعة المتزايد من تدخلات إيران السافرة وتعبيرهم المتواصل عن أصالة الارتباط.

أو تنشب حرب تسابق نووي تقود المنطقة والعالم الى جحيم نووي، فالمال الوفير، والقلق الشديد من امتلاك إيران سلاحاً نووياً، والعلاقات المميزة مع ممتلكي القدرات النووية، قد تفقد العقلاء الملتزمين صبرهم، فتصبح معاهدة الحد من الانتشار النووي حبراً على ورق. وهذا خطر لا يمكن تجاهله.

وربما تقع حرب أخرى، نفسية وسياسية وحركية، تتمثل في تبني الخارج قراراً بتنشيط عمليات الزعزعة لإحداث تغيير جذري في نظام الحكم المتشدد في إيران، باستغلال الثغرات السياسية والعرقية والدينية في مجتمعات لا يربطها رابط ديموقراطي، فالدين لا يصلح أن يكون قاسماً مشتركاً في ظل التناقضات وما أكثرها. ويبدو إن منظمة مجاهدي خلق العلمانية، تكثف تحركاتها غربياً لإظهار قدرتها على التعاطي الديموقراطي بوسائل تتوافق ومنطق العصر الحضاري، بعيداً عن الربط بين الدين والسياسة وزعامة الدولة، وإذا ما نجحت في استكمال عملية الخروج من مأزق درجها تحت لافتة الإرهاب، فإنها تشكل تهديدا قويا للنظام المتشدد في طهران، الذي فشل في تفكيكها بمختلف الوسائل.

أما العقوبات فلا تشكل حرباً بل إجراءات دفاعية يراد بها عرقلة برامج مرفوضة مخلة بالأمن الدولي، لكنها غالباً ما تفسر من قبل الطرف الآخر بمثابة الحرب، ويبدو التصميم الدولي قوياً على ان تكون العقوبات رديفاً للدبلوماسية التي حال الغلو الإيراني دون تحقيقها إيجابيات تذكر حتى الآن، ومن المتوقع تصعيدها تدريجياً بطريقة موازية لعملية الرفض الإيراني، لأن الصين وروسيا تدركان ان الرقص على أنغام التهديدات والتعنت لا يحصنهما من الانتشار النووي، فبؤر الإرهاب ليست بعيدة عنهما في المحصلة.

المثير للشكوك في النيات السياسية والتوسعية أكثر من أي شيء آخر، ان إيران ليست في حاجة لسلاح نووي، فلا أحد يهدد وجودها، ولا أمنها، لأن الكل منشغلون في بناء بلادهم، ولا أحد منهم يتحدث عن القوة والعسكرة، فأكثر من دولة عربية تمتلك صواريخ أرض ـ أرض (مشتراة)، منها ما يصل إلى أقصى حدود إيران الشرقية، لكن لم تجر مناورة ولا تجربة إطلاق ولا دعاية ولو لغرض المعنويات. لأنها تريد البناء لا الحرب. إن ما يجري اليوم يشكل حرباً سافرة على الفقراء. فالفقراء في العالم يزحفون على بطونهم، والجياع ضحايا التهديدات والأزمات التي أشعلت نار الأسعار وتعرض أمن العالم للخطر، يبحثون عن طعام الدواب ولا وجود لما يكفي.

وليت المعنيون يدركون ان قدرات العالم أكبر كثيراً من مسألة مضيق وتأجيج لأسعار النفط يمكن كبحها بوسائل عدة، وأكبر من تعليم طريقة تحريض الأطفال على استخدام قنابل المولوتوف في الدول الآمنة، ولا بد من الجنوح إلى العقل.

الحرب لا أحد يريدها من أصحاب الضمائر الحية، ويتحمل وزرها من يسوق العوامل إليها. ويبقى الدفاع عن الفقراء وأمن العالم مقدساً بدءا من القلم. فهل ينشد مستعرضو القوة نشيد السلام بدل مارشات الحرب وخطبها؟