تحرير الأسرى .. ماذا بعد؟

TT

أن يطل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله شخصيا لتحية عميد الأسرى سمير القنطار، بعد تحريره من الاسر، متحديا بذلك كل التهديدات الامنية الاسرائيلية، فهذا أمر يدل على اهمية الحدث. فتحرير الأسرى جاء بعد حرب تموز 2006، خاصة ان الحرب كانت قد اندلعت بعد خطف حزب الله لجنديين اسرائيليين، فقط بهدف تحرير القنطار ورفاقه.

فهل اصبحت قضية القنطار قضية شخصية للسيد؟ فإن هو وعد وفى. وإن هو خطط نجح. وإن هو هدد نفذ. وهل يزيد نجاح العملية، ومن ثم ظهور السيد العلني إلى جانب القنطار، رصيد سيد المقاومة؟ بالطبع.

وإذا اعتبرنا ان حزب الله حقق ما عجز عن تحقيقه كل العرب وجيوشهم التقليدية ضد إسرائيل، فهل يسمح للاعب لبناني من خارج إطار الدولة ان يحتل هذه المرتبة؟ بكلام آخر، هل يمكن للاعب لبناني، ان يلعب لعبة الكبار بوسائل محدودة تعود لشبه دولة لم تكن يوما دولة؟

لم تعد أميركا الشيطان الأكبر لإيران. ولم يعد من الضروري إزالة إسرائيل كدولة من الخريطة. لا بل، لقد أصبحت إيران صديقة الشعبين الاميركي والإسرائيلي، حسب تصريح نائب الرئيس الإيراني رحيم مشائي.

كذلك، لم يعد جائزا ان لا يكون هناك خط طيران مباشر بين طهران وواشنطن، حسب تصريح وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي. وإذا اردنا المزيد، فإن مكتبا لرعاية المصالح الاميركية قد يفتح قريبا في طهران.

إذا لماذا التأخير في إعلان عودة العلاقات الدبلوماسية بين اميركا وايران؟

ردا على هذا السؤال، يقول الخبراء ان هناك نقاشا ايرانيا داخليا على صعيد القيادتين السياسية والدينية، حول كيفية مقاربة العلاقة مع اميركا. فهل يفتح الحوار اليوم مع هذه الادارة الضعيفة نسبيا، أم يتم انتظار الادارة الجديدة؟

لكن من يضمن ان الادارة الجديدة سوف تكون اكثر اعتدالا من ادارة بوش؟ ألم تتعلم ايران الدرس عندما انتظرت ذهاب الرئيس الاميركي كارتر لحل قضية الرهائن في السفارة، فأتى رئيس اكثر تشددا هو رونالد ريغان؟

يقول البعض الآخر، ان هذه الادارة، وفي ظل قمة ضعفها، عندما خسرت الاغلبية في الكونغرس، لم تكن ضعيفة فعلا، خاصة في ما خص قرار استعمال القوة العسكرية – Surge.

وفي الوقت الذي انتظر فيه الكل، بعد خسارة الكونغرس من قبل الجمهوريين، خاصة إيران وسورية، ان يسحب الرئيس بوش القوات الأميركية من العراق لتخلو الساحة للهيمنة الإيرانية. أتى قرار الإدارة الضعيفة مخيبا لآمال إيران. وبدل سحب القوات، كان قرار إرسال المزيد منها ـ حوالي 30000.

كيف أتت ديناميكة هذا التبدل؟

خسر بوش الكونغرس، فأملت إيران ان يسحب القوات الأميركية من العراق. بدل سحب القوات، أرسل بوش المزيد منها.

كانت نقطة التحول الأساسية في صحوة الأنبار. وبسبب ذلك، أصبح في العراق حلف أساسي يقوم على الأميركيين + السنة + الأكراد.

بسبب كل هذه التحولات، خافت إيران من خسارة كل ما بنته في العراق. كما خافت ان يخسر الشيعة مكاسبهم، ليعود العراق ـ كما كان تاريخيا ـ مصدر الخطر الأساسي على الأمن القومي الإيراني. فكان التحول في السلوك الإيراني، وكان الهدوء في العراق.

لا يمكن للبنان إلا ان يتأثر بكل التطورات في المنطقة. فكل تقارب أميركي ـ إيراني، له تأثير مباشر على الساحة اللبنانية. وكل تقارب سوري ـ إسرائيلي له تأثير أيضا. حتى ان للسلبيات تأثيرها بالطبع.

بكلام آخر، يعكس لبنان صورة المنطقة وكل ما يجري فيها. وما يجري في المنطقة، يمكن رصده على الساحة اللبنانية.

في هذه الظروف أتت عملية تبادل الأسرى بين حزب الله وإسرائيل. فماذا عنها؟ وماذا عن خطاب السيد الذي اعتبر منفتحا ومعتدلا؟

إذا أردت ان تعرف المسار العام لما يريده حزب الله، إن كان على الصعيد اللبناني الداخلي، او إن كان على الصعيد الإقليمي. فما عليك إلا ان تتابع ما يقوله نصر الله في خطبه. فهناك نمط متكرر تقريبا ثابت، على الصعيد الاستراتيجي، كما هناك نمط آخر يتبدل تكتيكيا بتبدل الظروف.

فعلى سبيل المثال، يبدو ان كل خطب السيد خلال حرب تموز ـ لمن تابعها ـ سوف تكون عماد بناء الاستراتيجية الدفاعية للبنان.

وإذا اردت ان تعرف التكتيك، في ظل الاستراتيجية الكبرى. فما عليك إلا ان تتابع ما يقوله الشيخ نعيم قاسم. فهو يدخل إلى التفاصيل أكثر مما يدخل السيد. فماذا قالا مؤخرا، وكيف يمكن التعليق على خطبهما؟ وهل يتقاطعان في مكان، ويختلفان في آخر؟

يؤكد السيد، كما الشيخ قاسم ان الحزب مستعد للنقاش، وليس للفرض عليه. كما يؤكد الاثنان، ان الخطر لا يزال قائما على لبنان، وهو حتما من إسرائيل.

يؤكد قاسم، ان الاستراتيجية الدفاعية يجب ان تقوم على بعدين أساسيين هما:

إخراج إسرائيل اذا دخلت «بالمقاومة الدفاعية». ومهاجمة إسرائيل «بالمقاومة التحريرية».

إذا صحت هذه الأسس فهي ليست واضحة وقد تكون خاطئة بالمعنى الاستراتيجي. لماذا؟

أولا، تمنع إسرائيل من الدخول بالمقاومة الدفاعية ـ من المفضل ايجاد منظومة ردعية دفاعية، كي لا تدخل إسرائيل في المطلق.

ثانياً، إذا دخلت إسرائيل وفشلت المقاومة الدفاعية، تتبدل المقاومة لتكون تحريرية على غرار ما كانت عليه قبل العام 2000. على كل، كان السيد قد أكد ما نقوله هنا، في إحدى خطبه خلال حرب تموز. على كل، قاتلت المقاومة خلال حرب تموز حربا دفاعية تقليدية وبامتياز. اي ظلت في المرحلة الأولى التي ذكرناها أعلاه ـ المقاومة الدفاعية.

في خطاب آخر للسيد حسن نصر الله، يدعو فيه إلى مشاركة الكل في المقاومة. كما يؤكد الاستعداد للنقاش حول سلاح الحزب. كيف يمكن مناقشة هذه الطروحات؟

إن الدعوة للمشاركة في المقاومة للمذاهب الأخرى هو أمر مستحيل لعدة أسباب منها:

بسبب اللاتناغم السياسي، المذهبي، الايديولوجي ومن ثم التراكمات الصراعية مؤخرا.

إن عمر حزب الله يناهز ثلاثة عقود. وهذا أمر قد ولد ثقافة، مؤسسات، وخطابا لا يمكن لجديد الانخراط فيه.

إن احد أهم أسباب نجاح الحزب ـ اكد عليها السيد عدة مرات ـ هو تلك الظروف الاجتماعية لمقاتلي الحزب. والمقصود هنا بخلايا القتال. فهي خلايا صغيرة، متجانسة مذهبيا، اجتماعيا وايديولوجيا. فلماذا إدخال عناصر جديدة قد تغير الظروف التي كانت سبب نجاح المقاومة؟ فهل يغير مدرب فريقا يربح ويربح؟

إذا كانت هذه الظروف غير ممكنة للأسباب التي ذكرناها، فما العمل إذا حول الاستراتيجية الدفاعية؟

هنا لا بد لنا من ذكر بعض الثوابت التي على كل استراتيجية مستقبلية ان تأخذها في الاعتبار، على ان نترك امر الاستراتيجية بحد ذاتها إلى وقت آخر بسبب ضيق المساحة. فماذا عنها؟

من قال ان الاستراتيجية الدفاعية يضعها السياسيون؟ فعادة، يضع السياسيون الاستراتيجية الأمنية القومية ـ كما فعل بوش مثلا. أي، تلك النظرة الرؤيوية للبنان، للمخاطر عليه، ومن ثم كيفية تجميع عناصر القوة القومية لدرء الخطر عن الكيان. وقد يطلق على هذه الرؤية «الكتاب الأبيض» مثلا. هكذا فعلت الصين، وهكذا فعل الرئيس ساركوزي مؤخرا. فالكتاب الأبيض هو بمثابة الدستور الاستراتيجي. هو عام، شامل وغامض في بعض نقاطه، وهو رسالة دبلوماسية للاعداء كما للاصدقاء.

بعد الكتاب الابيض، يأتي دور المتخصصين ـ عسكر، قانونيين، علماء اجتماع، مؤرخين وغيرهم. كما هناك لجان من داخل، ومن خارج مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية.

يبدو اليوم وكأن الكل يركز في مشروع الاستراتيجية على الجنوب فقط. فماذا عن الشواطئ، الخلفية والعمق الاستراتيجي لساحة الصراع الأساسية ـ اي الجنوب؟ وماذا عن الحدود السورية؟ وماذا عن الإرهاب؟ وماذا عن التفكك الداخلي؟

الكل يفكر اليوم بشكل ونوع الحرب الأخيرة على لبنان، كي يبني عليها الاستراتيجية. ومن قال ان إسرائيل ستقاتل مثل العام 2006؟ الم تتعلم هي أيضا الدروس؟

من قال ان الاستراتيجية هي وثيقة ثابتة؟ على العكس، الاستراتيجية هي كائن حي متطور بتطور الظروف. فعلى سبيل المثال، وإذا حصلت إسرائيل على سلاح جديد يبدل قوانين اللعبة. فعلى الاستراتيجية هنا ان تتأقلم مع هذا التغيير. كذلك الأمر، ماذا لو تقاربت سوريا وإسرائيل أكثر فأكثر؟ فكيف ستكون عليه الاستراتيجية. وقد يندرج هذا الأمر أيضا على التقارب الاميركي ـ الإيراني.

في الختام، نجح الحزب ضد إسرائيل باستغلال نقاط ضعفها ـ خاصة البشرية، Asymmetric. وعد السيد فحرر، كما وعد ففك أسر المقاومين، أحياء وأمواتا. إذا، انتقل اللاتماثل ليكون نقطة ضعف لدى حزب الله. فالسيد وعد بحرب مفتوحة انتقاما لقائده عماد مغنية. فكيف سيكون الوفاء بالوعد؟ وكيف يندرج الرد في ظل التقارب الاقليمي؟ وكيف يندرج الرد في ظل حكومة الوحدة الوطنية، وفي ظل الحديث عن استراتيجية دفاعية؟

* عميد متقاعد في الجيش اللبناني وباحث أكاديمي