أفضل استراتيجية لدى أوباما.. اهجم

TT

إذا سمعت أي شيء عن جون ماكين طوال الأسابيع القليلة الماضية، فما سمعته على الأرجح هو أنه يخسر. يكره مستشاروه بعضهم البعض، وتتجاهله وسائل الإعلام، ويتم تصويره في سيارات ملاعب الغولف وممرات قسم منتجات الجبن في المتاجر، بينما يقف خصمه لتلتقط له صور على طريقة كينيدي. ولكن هاهو الأمر الغريب: هذا الأمر يصب في مصلحة ماكين. فهو في المتوسط، يليه بفارق ضئيل في النقاط في استطلاعات الرأي. وحتى بعد أسبوع من زيارة أوباما السياسية الأوروبية الناجحة، بالكاد تحرك التأييد الديمقراطي. والسبب، في اعتقادي، هو أن أوباما يرتكب خطأ شنيعا بجعل السباق الرئاسي يدور حوله هو فقط، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي ستجعله يخسر.

أوضح استطلاع أخير للرأي أن نصف الناخبين يركزون على معرفة كيف يكون أوباما كرئيس، بينما يركز الربع فقط على ماكين. كما جذب أوباما المزيد من اهتمام وسائل الإعلام، وبالتالي المزيد من النقد: فقد كشفت دراسة أجراها مركز الإعلام والشؤون العامة، على مدى الأسابيع الستة الأخيرة، أن كبرى الشبكات الإخبارية أعطت تقييما سلبيا تناسبيا لأوباما أكثر من ماكين.

ربما يرتكب ماكين الكثير من الأخطاء الفادحة، ولكن هذه الأخطاء لا تضره لأن التركيز منصب على أوباما. ويلتفت الانتباه إلى ماكين بسبب هجومه على أوباما، وخاصة تلميحاته إلى أن أوباما يفتقد الشعور بالوطنية. وغالبا ما يعتمد هذا الهجوم على الأكاذيب (مثل إدعاء ماكين المشكوك في صحته بأن أوباما ألغى زيارة للجنود المصابين عندما اكتشف أن وسائل الإعلام لن تتمكن من الحضور معه، في الحقيقة، لقد ألغى الزيارة، ولكن لم يكن من المقرر أبدا أن تحضر وسائل الإعلام). ونادرا ما يرد أوباما على هذا الهجوم. وتشير إجاباته الضعيفة إلى «خيبة أمله» في ماكين ورفضه «للسياسة القديمة ذاتها».

ها هي الأسباب المحتملة: يريد قطاع عريض من الشعب أن يفوز مرشح ديمقراطي بالرئاسة. لذا كل ما على أوباما فعله هو أن يكون مقبولا، وسوف يفوز. وهكذا أصبح التركيز منصبا على تقديم أوراق اعتماده لدى الشعب، بدلا من مهاجمة ماكين.

ربما يبدو هذا مألوفا. دعوني أنعش ذاكرتكم: لقد كانت هذه هي استراتيجية الحملة الانتخابية للسناتور عن ولاية ماساتشوستس جون كيري عام 2004. منذ أربعة اعوام، كان المنطق أن أغلبية الناخبين سيرفضون الرئيس بوش، لذا كان المطلوب من كيري إثبات نفسه كبديل من أجل الفوز.

وجاء في أحد الاستطلاعات في ذلك الوقت أن الناس «يتطلعون إلى بعض التغيير»، «ولكن يجب أن يكون هذا التغيير مقبولا. وعلى كيري أن يثبت إنه مقبول». لذا بدلا من الهجوم على بوش، ركز كيري على التعريف بنفسه. وكان المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي نموذجا للتحضر والتركيز الإيجابي. ومن جانب آخر، كان المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري عبارة عن هجوم شرس على كيري. ولا أريد أن أذكركم كيف انتهى الأمر.

لماذا تفشل استراتيجية أوباما كبديل ديمقراطي؟ أولا، إن فيها تجاهلا لبوش. والسبب وراء رغبة الناخبين في رئيس ديمقراطي هو أنهم يعتبرون بوش فاشلا. وبتحويل السباق الرئاسي إلى استفتاء على أوباما، ينسحب بوش من ذاكرة الناخبين. إن إعلان ماكين الذي يلقي فيه باللوم على أوباما بسبب ارتفاع أسعار البنزين مناف للعقل، ولكن يمكن أن ترى لماذا يذيعه. تغطي وسائل الإعلام أخبار أوباما وكأنه رئيس بالفعل. إذن، ماذا فعل أوباما في ارتفاع أسعار البنزين، على أية حال؟ لن نصوت لهذا الكسول، فلنصوت لصالح ماكين!

ثانيا، تعمل الإعلانات التي تتناول السلبيات بشكل أفضل من الإعلانات الإيجابية. في عينات دراسة، أصر الناخبون على أنهم يكرهون الإعلانات السلبية، لأنها تبدو فاضلة. ولكن تشير الدراسة إلى أن الإعلانات السلبية هي التي يتذكرها الناخبون.

وللهجوم على منافسه، لا يحتاج أوباما إلى الدخول في حملات تشويه السمعة أو التهم التي لا أساس لها، مثلما يفعل خصمه. كل ما يحتاج إليه هو التوقف عن السماح لماكين برسم صورة مشوهة عنه. يريد ماكين أن يراه الناخبون كشخص مستقل عن حزبه لا يغير أبدا من مواقفه لأسباب سياسية. يعرض في أحد إعلاناته معارضته الشديدة لبوش حول البيئة. وهو لا يذكر أن ماكين تخلى عن مشروع قانون تغير المناخ الذي شارك في دعمه، وأنه طالب بتوسيع نطاق حفر آبار البترول، وبيوم الإعفاء من الضرائب على البنزين الذي يعوق هدف التقليل من حرق الوقود الاحفوري، وبدأ في جمع أموال طائلة من شركات البترول.

كما أن ماكين قلل من تأكيده أو عكس تقريبا كل موقف يبعده عن بوش، ومن أبرز هذه المواقف تخفيض الضرائب على الأغنياء، وذلك في صميم برنامج بوش الاقتصادي. ولإثبات حسن نواياه في موالاته للحزب أثناء الانتخابات التمهيدية، تباهى قائلا: «أبذل قصارى جهدي حتى ينتخب (بوش) ويعاد انتخابه».

وعندما ذكر أحد محاوريه أن ماكين مختلف عن بوش، أجاب السناتور: «لا.. لا. في الحقيقة أنا مختلف، ولكن هناك حقيقة أخرى وهي أنني أتفق مع الرئيس بوش أكثر مما أختلف. وفي أهم القضايا التي نواجهها اليوم، أتفق تماما مع الرئيس بوش وأؤيده».

لماذا لم نر هذه الكلمات في الإعلانات التليفزيونية؟

يبدو أن استراتيجية أوباما تعتمد على إقناع الناخبين بأنهم يحبون الرجل الأسمر الذي ليست لديه خبرة واسمه يبدو أجنبيا. ولكن يبدو لي أن إقناعهم بعدم التصويت للمرشح الآخر، الذي يحتضن الرئيس صاحب أقل شعبية في التاريخ الحديث، هو الطريق الأفضل.

* كاتب رأي في التايمز وكبير محررين في «ذا نيو ريبابليك»

خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»