«شخرة» دافنشي!

TT

المتابع للسياسة الإيرانية لا يستطيع فهمها بوضوح، فهي مليئة بالطلاسم والأحاجي والألغاز، وهناك العديد من الرسائل المزدوجة المعاني التي ترسل وتحيّر من يحاول تفسيرها. فمن جهة تصرح حكومة الجمهورية «الإسلامية» الإيرانية بأنها حريصة على مصالح الأمة والمسلمين وعلى وحدة صفوفهم ورعاية مصالحهم وحل مشاكلهم، ومن جهة أخرى يبقى الدليل والبرهان العملي على عكس ذلك هو الأهم والأصدق، فحجم التدخلات الإيرانية في عدد لا ينتهي من الدول العربية والإسلامية بات ليس فقط مدعاة للقلق ولكنه تحول إلى سبب للضيق والصراعات المتأججة والعنيفة جدا.

والآن هناك رسائل مزدوجة تطلق من إيران باتجاه إسرائيل وباتجاه الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت تعرف بـ«الشيطان الأكبر». وتتمثل هذه الرسالة في استخدامها لعبارات غير مسبوقة حيال هاتين الدولتين.. عبارات مثل «علاقات جيدة» و«صداقة» وغيرهما، وهو بطبيعة الحال يناقض تماما حال التأجيج والتهييج الشعبي المستمر ضدهما منذ قيام الثورة الخمينية فيها.

واستطاعت إيران لفترة ما من الوقت أن تقنع العالم بأن لديها تيارين مكونين من «حمائم» و«صقور» ولكنهما، حقيقة، يشكلان انفلونزا طيور متطرفة! فواقع الأمر أن القرار الإيراني حقيقةً يحركه المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي مهما قدم للعامة بأن الرئيس خاتمي كان معتدلا وأن أحمدي نجاد الرئيس الحالي متشدد، ولعل تصريح خامنئي وهو يدافع عن أحمدي نجاد كفيل بتأكيد هذه النقطة ورضاه ومباركته لكل سياسات «نجاد».

إن الطرف المسؤول عن إحراز التقدم في القضية النووية هو المجلس الأعلى للأمن القومي برئاسة فخامة الرئيس، وما يقوله الرئيس يعبر عن رأي السلطات في الدولة، وحتى المساحة التي «يسمح» لأحمدي نجاد باللعب والحراك فيها محدودة جدا، فعندما حاول أن يهدد ويفضح المسؤولين المتورطين بالفساد قال عباس باليزدار، وهو أحد أنصاره الآيديولوجيين وعضو برلماني سابق، إن العشرات من كبار القادة الدينيين بمن فيهم المقربون من خامنئي استخدموا نفوذهم لسلب مئات الملايين من الدولارات بالاحتيال، بل وحتى بقتل خصومهم، ولكن هذه المسألة أثارت خامنئي الذي استشاط غضبا، ففهِم أحمدي نجاد الرسالة وتخلى بسرعة شديدة عن باليزدار، وبعده أطلقت نيران صديقة على أحمدي نجاد من قبل وزير الخارجية الأسبق علي أكبر ولايتي وهو المعروف بأنه مقرب من خامنئي عن طريق مقال عنيف كتبه، وصف فيه سياسات أحمدي نجاد بأنها «غير منطقية» وأبان فيه بوضوح شديد جدا أن صانع السياسات الحقيقية في إيران هو القائد الأعلى والمرشد للثورة.

وبالتالي فإن إيران على موعد مع الحقيقة ومواجهة تبعاتها، فعليها التعامل بوضوح وصراحة تامة مع العالم بوجهة واحدة، فلا يمكن أن تقدم على خطاب معلن يدعو إلى القيم والتسامح والمصالح المشتركة بينما تطلق أيدي عناصر داخل مؤسسة الحكم لاحتلال جزر وتسليح ميليشيات وتقوية أطراف على حساب أطراف.

طلاسم السياسة الإيرانية بدأ الكثيرون في تفكيك شيفراتها، وما يظهر لا يسر ولا يطمئن، ولعل هذا يفسر مخاوف العرب وقلقهم المتزايد من نوايا إيران الغريبة.

[email protected]