النمطية في ضوء إضراب البنغالية

TT

المقصود بالبنغالية هنا التسمية الخليجية للعمال القادمين من بنغلاديش، وهم من أكبر الجاليات العاملة في منطقة الخليج، ويبلغ عددهم في الكويت أكثر من مائتي ألف عامل، يذكر أن سكان الكويت الملايين الثلاثة يتوزعون كالتالي تقريبا: مليون من العرب، ومليون من الأجانب ومليون من المواطنين الكويتيين.

منذ أيام ـ وحتى كتابة هذا المقال ـ والكويت تشهد إضرابات عمالية بنغالية للمطالبة بأجورهم وتحسين ظروفهم المعيشية، وهذه ظاهرة لم تقتصر على الكويت فحسب ـ فقد سبق أن أضرب عمال لنفس الأسباب في دول خليجية أخرى، ويبدو أنها سوف تتكرر مع الوعي العمالي بحقوقهم القانونية، ومع إدراكهم لأهمية الإعلام العالمي في تسليط الضوء على مطالبهم. الإضرابات كانت سلمية في غالبها ـ وهذا يسجل لطريقة التعامل الأمني الكويتي معها، وإن لم تخل من بعض حوادث الشغب، ولكن مطالب العمال لا يمكن تجاهلها، وأعداد العمالة الهامشية في الخليج لا يمكن التغاضي عنها، فملايين من العمال الآسيويين عديمي المهارة يجوبون طرقات وشوارع مدن خليجية عدة، يحملون معهم هموم الحياة، ويرتكبون مخالفات قانونية تصل إلى حد الجرائم الخطرة والبشعة في نفس الوقت. لكن اللوم لا يقع على العمال وحدهم، فوزير العدل الكويتي صرح عدلا بأن «الإضرابات جاءت نتيجة لإخلال بعض شركات استقدام العمالة بالعقود المبرمة مع العمال والوزارات». ولم يعد مقبولا السكوت عن هذه الظاهرة التي خلقها جشع شركات هي أشبه بالمافيات، وهذه الشركات ليس خليجية حصرا، فهناك شبكة عالمية في شرق آسيا ودول عربية تتاجر بالبشر، وتستغل حاجات الشباب لفرص العمل بالهجرة والسفر إلى دول جاذبة، مثل دول الخليج، ورأينا امتدادات هذه المافيا في شمال أفريقيا تمخر بأحلام الشباب عباب البحر المتوسط غرقا في محاولتهم العبور نحو الضفة الأخرى حيث أوروبا ـ وحيث الأمل والحرية والعمل.

المعارضون لهذه الإضرابات يلقون باللائمة على عمال الجالية البنغالية تحديدا، مدللين بأن عدد الهنود العاملين في الكويت يفوق ضعفي عدد البنغالية، ومع هذا لم يضرب الهنود ولا الباكستانيون ولا الفلبينيون الذين يفوقون البنغالية عددا. ويرتبط مثل هذا التبرير بصورة نمطية التصقت بالبنغالية في الخليج، وبأنهم يمتهنون الجرائم والمشاكل التي لا يجيدون سواها، وتعززت هذه الصورة إعلاميا وعبر الانترنت بتصوير بعض الجرائم البشعة، كجريمة قتل مواطن بحريني واغتصاب جماعي لطفلة بالسعودية عمرها اثنا عشر عاما وتصوير تلك الجريمة، وانتشارها عبر البلوتوث، عززت دعوات في المنطقة بضرورة الحد من العمالة البنغالية تحديدا، بل وذهبت مطالبات بحرينية برلمانية إلى ضرورة طرد كل البنغالية من البحرين. وكان لهذه الدعوة صداها في الكويت أيضا، حيث يعزز مؤيدوها دعواتهم بالتخلص من البنغالية بأرقام الجرائم والدعارة القسرية والنصب والاحتيال والرشوة وسرقة ممتلكات الدولة في الأماكن العامة. ومن البديهي لأي عاقل رفض هذه الصورة التعميمية على الجنسية البنغالية، تماما مثلما الإنصاف يفترض رفض التعميم الذي خلقته مثل هذه الإضرابات ضد معاملة الخليجيين لهؤلاء العمال. ففي الكويت، يداعي البرلمان والجمعية الكويتية لحقوق الإنسان والمركز الكويتي لحماية الجاليات لمناصرة العمال وإنصافهم من شركات الجشع التي تستغلهم وتوقعهم على تسلم مرتبات لم يتسلموها، بل ويصادرون بطاقاتهم البنكية بعدما نص القانون على أن يفتح رب العمل للعامل حسابا بنكيا يحول فيه شهريا راتبه، ويتم التأكد من تحويله عبر هيئات حكومية، وهو ما يقوم به رب العمل الجشع بيد، ويسحب بالبطاقة البنكية بيد أخرى معظم راتب هذا العامل المسكين. الإضرابات العمالية الأخيرة في الكويت، عززت صورة ظالمة ضد البنغالية، ورسمت صورة ناقصة عن معاملة دول الخليج ـ والكويت تحديدا ـ لهم.