إيران وأميركا.. وهم أم خيال؟

TT

لقد ألفت إيريس موردوخ (1919-1999) كتابا قيما بعنوان «إن سوفرينيتي أوف جود»، حيث ميزت فيه بين مصطلحين أساسيين، هما الوهم والخيال. وبناء على نظريتها الفلسفية، فإن الوهم شيء سلبي، وعلى النقيض من ذلك، فإن الخيال شيء إيجابي.

ففي العلوم والفنون والآداب، يعتبر الخيال حجر الزاوية في الإبداع. أما في السياسة، فإن الوهم هو أساس اتخاذ القرارات. وكما نعلم جميعا، فإن ألبرت اينشتاين، وصف الدور المهم للخيال في العلوم وقال: «إن الخيال أهم من العلم!».

وعندما أدرس الأزمة بين إيران وأميركا، فإنني أعتقد أن المشكلة الرئيسة تنجم عن جذور الوهم. وبمعنى آخر، يفسر السياسيون عادة المشكلات بناء على الوهم الذي يتوهمونه.

وقد ألف صامويل هنتنغتون كتابا مهما درس فيه هوية الروح الأميركية. وقد جاء في كتابه: «لقد وصف بندكيت أندرسون الأمم كمجتمعات وهمية. كما أن الهويات تعتبر ذوات وهمية: فذواتنا هي ما نعتقد أننا نرغب في أن نكون عليه!» (كيف نحن، صفحة 23).

ومن الواضح أن هنتنغتون لم يفرق بين الوهم والخيال، وعلى الأقل لم يبد بندكيت آندرسون اهتماما بالفجوة الكبيرة بين هذين المصطلحين. فالخيال له بداية وهدف، لكن الوهم مثل الزوبعة التي ليس لها غاية أو هدف.

وإذا قمنا بدراسة المحاضرات التي يقدمها رئيس الولايات المتحدة، فإننا سوف نجد كلمة «يجب» كثيرا. ويعني ذلك أن تكرار هذه الكلمة قائم على الوهم.

وعلى سبيل المثال، في الحرب الإسرائيلية الأخيرة ضد لبنان عام 2006، لم نشهد وقفا لإطلاق النار. وقد كانت الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية وأوروبا تنتظر وهم انتهاء الحرب.

وبناء على ذلك الوهم، كان من المفترض أن تنهي هذه الحرب وجود حزب الله في لبنان. وبناء على مثل هذا التوقع، أعلنت كوندوليزا رايس التفسير الخاص بها لهذه الحرب. إننا لم ننس ألم ومعاناة الشعب اللبناني. فإسرائيل التي تمتلك قوة جوية ضاربة قد دمرت كل المصانع والبنى التحتية في لبنان. وبالمثل تماما، وخلال هذه الفترة، قالت رايس إن هذه الآلام والمعاناة كانت بداية للمحنة!

ولم يكن ذلك التعليق مقبولا بالنسبة لي! فكيف يمكن أن تقول مثل هذه الكلمات؟ وقد وجدت نص هذه العبارة في العهد الجديد.

ويعني ذلك أن كوندوليزا رايس ورئيسها جورج بوش يقرآن كلاهما ويفسران النصوص الدينية بناء على أوهامهما.

وقد عانى الأميركيون بالفعل من احتلال العراق وأفغانستان. وكلا الحربين ما زالتا جراحا لم تندمل بعد. وقد كتب كل من بيكر وهاميلتون تقريرا خاصا بدأ بعبارة: «ليس هناك حل سحري للمشكلات في العراق».

وفي أول عبارة من موجز هذا التقرير، كتب: «إن الوضع في العراق مأساوي ومتدهور».

لكن إدارة بوش لم تبد اهتماما بهذا التقرير. ويعني ذلك أن التقرير لم تكن له فائدة. وأعتقد أن هذا التقرير قد كتب بناء على الحقائق التي تشهدها أرض الواقع، لكن إدارة بوش فضلت اللجوء إلى الوهم.

وفي بداية حديثي، ذكرت هذه المقدمة من أجل دراسة الأزمة بين إيران وأميركا. ونحن الآن نشهد تحولا في مسار السياسة الأميركية. وقد حضر نائب وزير الخارجية نيكولاس بيرنز الاجتماع مع إيران في حضور دول 5+1 في جنيف. وقد كان ذلك توجها أميركيا جديدا، حيث أن الولايات المتحدة لم تشارك في أي من هذه الاجتماعات من قبل.

وقد حاولت دانا برينو، المتحدثة باسم البيت الأبيض، إظهار الأمر كما لو أنه لم يكن خطوة مهمة، لكنها قالت إنها كانت خطوة ذكية للتأكيد على جدية الولايات المتحدة في حل المشكلة دبلوماسيا. وقد أكدت برينو على أن مبادئ واستراتيجية وأهداف الولايات المتحدة تظل كما هي، ولن تكون هناك أي مفاوضات، إلا إذا قامت إيران بتعليق تخصيب اليورانيوم!

فماذا عن الواقع؟ لقد شارك الممثل الأميركي في الاجتماع، كما أن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد مدح خطاب بيرنز في هذا الاجتماع. وإذا لم يكن ذلك الاجتماع مفاوضات، فماذا تكون المفاوضات إذا؟

فهل يمكن أن نقول إن أميركا قد تحولت من الوهم إلى الخيال؟ وهل تدرس أميركا تجربتها في العراق؟

ويبدو لي أن جنرالات أميركا يعرفون إيران أفضل من سياسييها. فعلى سبيل المثال، قال الأدميرال ميشيل مولين رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة إنه قلق من مخاطر الضربة الجوية الأميركية والإسرائيلية على إيران، وأفاد على قناة فوكس الإخبارية يوم 20 يوليو (تموز) بقوله: «إنني أشعر بالقلق بسبب عدم الاستقرار في هذه المنطقة من العالم، كما أخشى من عواقب الهجوم الجوي على إيران».

وبالإضافة إلى مولين برنت، فإن سكوكروفت – وهو مستشار لجيرارد فورد وجورج بوش (الأب) – أستنكر الحرب على إيران، وقال: «لا تتحدث عن قصفهم الآن أو لاحقا».

وقد وصف زبينيو بريزيزنكي ـ وهو مستشار للرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر – سياسة إدارة بوش بالإبقاء على الخيار العسكري، بأنها غير ذات جدوى.

فهل يمكن أن نقول إن هذه المؤشرات توضح أن الدبلوماسية الأميركية قد تحولت من الوهم إلى الخيال؟

علينا أن ننتظر.