الفلسطينيون.. وضحكة القهر

TT

للفلسطينيين المغلوبين على أمرهم قصائدهم وأغانيهم ورسومهم وكاريكاتيراتهم. لهم ناجي العلي ومحمود درويش وريم الكيلاني، ولكن لم يظهر بينهم نظير لبيرم التونسي أو عبود الكرخي أو شيخ إمام. لم يخترعوا الكثير من النكات الساخرة. وعانيت تماما في العثور على إبداعاتهم في هذا الميدان. اتسم بعضها بالسذاجة وبعضها جاء مستوردا ومقتبسا. سيقول القارئ، كيف تنتظر منهم أن يضحكوا وحياتهم كلها شجن وقرف وعذاب؟

ومع ذلك فالفكاهة هي المرهم للجروح والملاذ من الظلم والاضطهاد. وتعطينا فلسطين مثالا آخر لما يقال: النكتة سلاح لا يحتاج لترخيص. عبرَ الكثيرُ منها عن يأس الفلسطينيين من قضيتهم. قالوا إن غورباتشوف وريغان وعرفات التقوا بشيخ طاعن في السن امتدت لحيته البيضاء إلى بطنه، فسألوه من أنت؟ فقال أنا التاريخ. توسل به غورباتشوف أن يخبره متى تسود الاشتراكية العالم فقال له بعد مائة سنة. وسأله ريغان متى يتعلم العرب الديمقراطية؟ فقال بعد ألف سنة. ثم سأله عرفات، متى تقوم الدولة الفلسطينية؟، فقال له لا ما دمت حيا.

الحقيقة أن الفلسطينيين لم يقولوا التاريخ إنما ذكروا شخصية أخرى، ولكن لا يجوز لي التدخل في الشؤون الدينية. فأترك الموضع لحدس القارئ اللبيب.

نشر الدكتور شريف كناعنة، الأستاذ في جامعة بير زيت، بحثاً عن الفكاهة الفلسطينية منذ بدء الانتفاضة مع مجموعة تزيد على 200 نكتة سياسية. علق عليها بالقول إن النكات والطرائف الفلسطينية تعبر عن مشاعر: «كره الذات وعدم الاحترام والحط منها بل وحتى احتقارها». يبدو أن الجمهور أخذوا يلمسون التخبط الذي أبداه قادتهم في تصريف مصير بلدهم. رأوا شخصا يلعب لعبة مع حمار. فقالوا له: ما لك تقضي وقتك في اللعب مع حمار؟ أجابهم بجزع: «غلبني عشر مرات! أريد أغلبه ولو مرة واحدة».

وفي حكاية أخرى، قالوا إن جزارا تخصص في بيع المخ البشري. 100 شيكل لمخ أمريكي و200 شيكل لمخ فرنسي ونحو ذلك. لاحظوا أن سعر المخ الفلسطيني كان الأغلى منها جميعاً. 1000 شيكل للكيلو. فسألوه لماذا هذا السعر العالي للمخ الفلسطيني؟ فقال هذا مخ لم يُستعمل قط.

هذه في الواقع نكتة مستوردة من أفريقيا. وفيها يكون المخ الغالي هو مخ الأفريقي. يفسر الجزار غلاءه بقوله إنه نادر جداً. يضطر الجزار إلى كسر رأس 100 أفريقي ليحصل على نتفة صغيرة من المخ! لم يأخذ الفلسطينيون بالمعنى العنصري لهذه النكتة السمجة. العيب هو ليس افتقار الفلسطيني إلى المخ، وإنما عدم استعماله لمخه. وهذا تقييم صحيح جدا. فالفلسطينيون أظهروا ذكاء ومقدرة عالية في كل الميادين التي دخلوها عالمياً. بيد أنهم لم يستعملوا نفس الموهبة في معالجة قضيتهم الوطنية.

www.kishtainiat.blogspot.com