كتابات للصيف «فعلوت مرتقبا على ذي صبوة»

TT

يتابع الدكتور وليم بولك: «من قراءاتي للرحالة الذين سبقونا في الصحراء على ظهور الإبل، كنت أعرف أننا سنعاني من الأوجاع. رفاقنا البدو شكوا أيضاً. كل مساء، عند الغروب، كنا نقف ونخيم. وكان ذلك بسيطا: نرفع الهوادج ونفرش الأغطية ونعد بعض الحطب لإشعال النار، فيما يعد أحد الرجال القهوة على وجه السرعة. أول الأولويات. ثم ابدأ بقراءة شيء من لبيد فيتوقف الجميع للإصغاء. الشعر يسحر البدو حتى لو لم يفهموا بعضه. ثم بعد قليل نغرق في بحر الصمت وننعس مع آخر شعلات النيران. أتطلع في السماء فأرى فيها نجوماً أكثر من أي مكان آخر على الكوكب».

«وداهمنا العطش مرارا أيضاً. وكان البدو يلفون أجسامهم بجلود الغنم حتى في الحر لكي يحافظوا على حد أدنى من الرطوبة. وشعرت الإبل بالعطش أيضاً. وما يقال عن أنها تمضي أسبوعاً دون شرب إنما هو خرافة يتداولها أهل المدن. ثم فجأة هطل المطر كما كان يتوقع لبيد في معلقته».

«كان التحدي الأكبر أمامنا ان نعثر على بئر في صحراء النفود الكبرى التي مساحتها 30 ألف ميل مربع. وتباطأت سرعتنا إلى عشرة أميال في اليوم. وكان على الإبل ان تصارع طلوعا ونزولا في الكثبان التي كانت تتحول انهياراتها احياناً الى فخ فنضطر إلى التراجع. بعد ثلاثة أيام في النفود تملكنا اليأس. ولم نكن نرى أمامنا سوى السراب يلمع كما قال الشعراء القدامى، مثل ظهور الدروع». «صرنا، زامل وانا، صديقين مثل دون كيشوت ورفيقه باتشو. في البداية كان زامل متذمرا من هذه الطريقة في العودة إلى الحياة القديمة: لماذا الجمل لا الشاحنة. لماذا البطء لا السرعة. لماذا العطش والجوع وكل ما يذكر بأيام الفقر. لكن كلما طالت الطريق كان يشعر انه يعود إلى جذوره. وفي النهاية طلب مني أن اعلمه الأبيات الأولى من معلقة لبيد».

هل تعلم زامل حقاً الأبيات الأولى من لبيد بن ربيعة؟ منذ ان اهداني الدكتور بولك كتابه المصور الرائع، قبل عشر سنين، وفي بالي سؤال واحد: لماذا اختار هذا الرجل ان يترجم اعقد المعلقات وأصعبها؟ وفي أي حال عاد بولك من رحلته عبر النفود ومعه واحدة من تحف الترجمة، فيما عاد رفيقه بيل ميرس، بالإضافة إلى صور المعلقة، بواحد من أجمل وأهم الكتب عن زهور الصحراء.

إلى اللقاء