الهروب الفلسطيني إلى إسرائيل

TT

لا أعتقد أنه خطر ببال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، عندما عاد الى غزة لأول مرة في يوليو 1994 قادما من منفاه في تونس، ان يأتي يوم يفر فيه رجاله من غزة نفسها الى اسرائيل. كانت الخاطرة حينها عندما عاد، وعادت معه القيادات والقوات الفلسطينية المرافقة من المهاجر التي فرق فيها شمل الشعب الفلسطيني، ان الخطر ان تعاود اسرائيل احتلال ما استعادوه وتشردهم من ارضهم مرة ثانية.

ولا اعتقد ان اليوم الذي وافق فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس بادخال حماس دائرة العمل الانتخابي، وسلمهم الحكومة في يناير عام 2006 بعد فوزهم في الانتخابات التشريعية، خطر بباله ان يأتي يوم تلاحق فيه شرطة حماس منسوبيه الذين يضطرون الى الاحتماء باسرائيل او يقبعون في السجون في داخل غزة التي تحكمها.

نعم هناك نزاع بين السلطتين، نزاع في وقت غريب. ففي الوقت الذي تهدئ فيه حماس المعارك مع عدوها الاسرائيلي، وتفاوض فيه سورية الاسرائيليين، ويصالح حزب الله الاسرائيليين بالجثامين والمساجين، تنقلب قوى حماس المسلحة على ابناء جلدتها من منسوبي فتح الذين يعيشون مهمشين في غزة.

حماس تواجه مشكلة داخلها، وتحاول تصديرها الى خارج التنظيم. فكثير من قيادات حماس الداخل هم ضد قبول حماس دمشق التهدئة مع اسرائيل، ومع استمرار قذف الصواريخ ويريدون زيادة التوتر والعمليات العسكرية ضد الاحتلال، هذا هو موقف حماس الاصلي الذي على اساسه التحقوا بها، وصدقوا شعاراتها، ورفضوا فتح بقياداتها. الآن صارت حماس مثل فتح، عقدت اتفاقات مع الاسرائيليين بان تمنع الصواريخ وتعاقب مطلقيها وتحرس الحدود من تسلل الانتحاريين. هذا الموقف التصالحي مع اسرائيل املته قيادة حماس في دمشق التي تراعي حق الضيافة ضد رغبة بعض قيادات حماس في غزة التي لها رأي آخر، كما أكد لي ذلك أحدهم. وهذا الاختلاف بكل اسف حوله البعض الى عملية ملاحقة للخصوم الآخرين، لانهم اصبحوا شامتين في حماس لانها تراجعت عن مواقفها ووعودها، لتنطلق باتجاهم معركة السجن والتحقيق والقتل في بعض الحالات.

كيف ترضى حماس بمهادنة اسرائيل ثم تقاتل مواطنيها الفلسطينيين من فتح؟

لماذا لا تتصالح مع نفسها اولا، اي مع قياداتها الداخلية، وتشرح لهم بان ما تمارسه هو من ضرورات السياسة، التي كانت تعيب على السلطة فعله من قبل. ومن ثم تسعى للتصالح مع السلطة الفلسطينية، التي اختلفت معها حول القبول بالمعاهدات الموقعة واحترام التزاماتها، لأن حماس نفسها قبلت بهدنة مع اسرائيل واحترمتها بل ولاحقت المخالفين لها. ونظرا لان التنظيمين صارا متشابهين، في الفكر والسلوك، فان المصالحة باتت ضرورية، والعمل سوية ممكنا افضل من أي يوم مضى.

[email protected]