مفسّر الأحلام يتكلم

TT

عندما كنت في أواخر المرحلة الابتدائية بالدراسة، وفي أيام الاختبارات حلمت أنني طلعت الأول بالصف، واستيقظت من نومي والدنيا كلها لا تتسع لفرحتي، إلى درجة أنني حكيت حلمي ذاك لأحد زملائي وأنا اتنطنط، فما كان منه إلا أن يقول لي: أبشرك من الآن أنت راسب وساقط، (فماما) تقول: إن الأحلام هي بالعكس.

شتمته وشتمت مامته معاه، وعندما طلعت النتائج خاب ظنه فقد نجحت ولله الحمد، غير أن حلمي أيضاً لم يتحقق، فلم أكن لا الأول ولا حتى من العشرة الأوائل.

ومن يومها بدأت أفكر بالأحلام إلى الحد الذي انقلبت فيه حياتي النهارية كلها إلى ما يشبه الحلم، فقد تملكتني (أحلام اليقظة)، وأصبحت ساهماً شارداً يتحدث معي البعض ولا أسمعهم، وتتراقص أمامي الصبايا ولا أشاهدهن، ويمر الزمن سريعاً ولا أفطن له إلاّ بعد أن يخيم الليل وأتثاءب، ساعتها فقط أعرف أن وقت النوم قد حل، وانخمد في فراشي مثلما ينخمد القتيل دون أية (فتفوتة) من حلم.

من ذلك الوقت تحولت أحلامي بقدرة قادر، من أحلام الليل إلى أحلام النهار.

ولكن هذا لم يمنعني من القراءة عن عالم الأحلام، ومن الضحك على مفسري الأحلام، ومن التسلّي على بعض البسيطين والبسيطات، باختراع الأكاذيب ـ خصوصاً الفاجعة لهم أو لهن ـ.

وأذكر أن صبية لأحد المعارف شاهدتها في لبنان، وحكَت للجميع أنها حلمت في الليلة البارحة أنها كانت تتنزه وحيدة في قارب في بحيرة جميلة، وبعد عدّة ساعات أخذ أهلها ينادونها أن تعود، غير أنها رفضت، وسألتنا عن تفسير ذلك.

فتصديت أنا للتفسير دون أن يطلبه مني أحد، وقلت لها مثلما قال لي زميلي (ولد أمه): إن الأحلام هي بالعكس، وهذا يعني أن حياتك قصيرة، وأن هذا القارب الذي كنت تركبينه ما هو إلاّ النعش، وأن أهلك سوف يفتقدونك قريباً وقريباً جداً.

فاستصابت المسكينة (وفرصعت) عيناها في وجهي، وخوفاً مني عليها من أن تبكي طمنتها كاذباً وأنا أربت على كتفها بحنان قائلا لها: لا عليك، لا عليك يا حلوة، فمآلك إن شاء الله الجنة، وإذا بها تضرب يدي وتزيحها من على كتفها بعنف قائلة لي بغضب وكراهية واضحة: خلّي الجنة لك أنت وأمثالك يا قليل الذوق ـ أو بمعنى أدق (يا أليل الزوء الله يأصف عمرك) ـ.

طبعاً الجميع استهجنوا مزاحي الثقيل هذا وتدخلي بالموضوع، وخرجت الصبيّة (المهضومة) من المجلس راكضة، وتناهى لي صوتها من بعيد وهي تجهش بالبكاء.. فالمجنونة مع الأسف صدقت كلامي (!!)، ومعها العذر لأنها شاهدتني لأول مرة، ولو أنها تعرفني حق المعرفة مثلما يعرفني غيرها، لما صدقت كل كلمة أقولها لا بالمزح ولا بالجد، فالله تعالى قد خلقني لكي (أرفع ضغط) الآخرين، وأحياناً أدلّس عليهم.

على أية حال فالأحلام ما هي إلاّ (أضغاث)، وجربوا أن تشعلوا عود ثقاب عند أنف نائم، أو تسلطوا شعاع ليزر على عينيه، واسألوه عندما يصحو مباشرة: ماذا حلمت؟!، وأراهنكم أنه سوف يقول: إنني حلمت بحريقة، أو ببرق يخطف الأبصار.

ولو أن الأحلام تأتي مثلما نحلم بها لكانت مصيبة، لأن أكثر الناس ورعاً وتديناً وتمسكاً بأهداب الفضيلة من الممكن أحياناً أن يحلموا والعياذ بالله أحلاماً جنسية.

ولابد أن أؤكد أن العقل الباطن ليس له أي دور في أي حلم، وتصبحون على خير، (وتغطوا كويّس)، لأن بعضهم عندما ينكشف غطاؤه بالليل، يحلم وكأنه (عريان) أمام الناس، والله سبحانه وتعالى يحب الستر.

[email protected]