كتابات للصيف: قتلهم النيجر ونحرهم النيل

TT

أوائل القرن التاسع عشر بدأت بعثات من البريطانيين البحث عن منابع نهرين من أعظم انهار العالم: النيجر، الذي كانت الخرافات تقول إنه يجري شمالا وجنوبا وغربا وشرقا، والنيل الذي قامت حوله أولى حضارات العالم. وإذ غاص طالبو النيجر في الأدغال والصحارى بدءا من 1822 واجهوا جميع أنواع الكوارث: الحروب القبلية، والملاريا والحمى، آكلو لحوم البشر، الضواري والحشرات السامة. وبعد 40 عاما من البحث مات جميع أفراد البعثات وبقي النبع مجهولا. لكن الباحثين عن منابع النيل كانوا أسعد حظا. وما كان الرائد الأول سوى ريتشارد بورتون. كان بورتون في السادسة والثلاثين ويجيد 39 لغة عندما قرر مطاردة النيل منفردا. لكن ممولي الرحلة أصروا على أن يرسلوا برفقته رجلا يدعى جون سبيك، كان قد رافقه في رحلة إلى الصومال وحارب معه في حرب القرم، لكنه لم يكن يرتاح إليه.

كان بورتون يحمل معه خريطة وضعها اليوناني بطليموس عام 140 ق. م تدل على أن النيل ينبع من منطقة استوائية تقوم فوق بحيرات واسعة. ولكن المشاكل بين الرجلين بدأت منذ اليوم الأول. ثم أصيب بورتون بالملاريا فاضطروا إلى حمله، وأصيب سبيك بعدوى كادت تعميه. وبخدعة ترك سبيك بورتون واتجه شمالا وبعد 3 أسابيع حقق اكتشافا قلب نظرية بورتون، إذ وجد بحرا داخليا أطلق عليه اسم «فيكتوريا نيانزا» قال إنه المنبع الحقيقي للنيل. وعندما عاد وأخبر بورتون رفض هذه الفكرة مصرا على أن بحيرة تانغانيكا هي المنبع. عاد الاثنان إلى لندن، لكن بورتون توقف في عدن بسبب حاله الصحية في ما أكمل سبيك الرحلة واعدا زميله بألا يفصح شيئا مما حدث، لكن عندما وصل بورتون إلى لندن في ايار 1859 اكتشف أن سبيك أبلغ الجمعية الملكية الجغرافية بكل شيء وأقنعها بإرسال بعثة جديدة إلى فيكتوريا نيانزا بقيادته. وفي 21 تموز 1862 أصبح سبيك أول من يكتشف سلسلة الشلالات التي تتدفق من بحيرة نيانزا في النيل العظيم. في لندن دار جدل حاد بين بورتون وسبيك حول صحة المكتشفات والمواقع. ونفى بورتون أن يكون سبيك قد اكتشف منبع فيكتوريا وأنه فعلا المنبع الأساسي. ودعي الاثنان إلى مناقشة الأمر بحضور العلماء. لكن سبيك لم يحضر إذ عثر عليه منتحرا برصاصة في الرأس. لكن العلماء أكدوا عام 1871 أن نظرية سبيك هي الصحيحة وأن بحيرة فيكتوريا هي منبع النيل. وفي عام 1890 أقر بورتون بأنه كان منذ البداية يعرف أن سبيك على حق.