حكاية صديق لا أعرف سواه!

TT

كان لي صديق في إيران. لا أعرف غيره. وهو يغني عن مئاتٍ. هو عالم ويعرف لغات عديدة، وسافر إلى أركان الأرض، وعاد بحكايات وروايات.. وهو رجل ظريف. وكنت أجد متعة في الجلوس إليه. فالصديق من هذا الطراز كنز لا يفنى. التقينا في مهرجان برسيوليس. وهو آخر أفراح شاه إيران: شاهنشاه اريا مهري.. أي ملك الملوك سيد الآريين..

في هذا المهرجان، دعا شاه إيران كل ملوك ورؤساء العالم. واعتذر الرئيس السادات وأناب عنه السيد حسين الشافعي، نائب رئيس الجمهورية. وكنت هناك أتفرج على الملوك والرؤساء بلا تيجان ولا عروش.. وإنما بشر مثلنا.. يمشون على الأرض وبعضهم يتساند على بعض. وقد رأيت واحداً يمشي على قدميه.. وتلفت حوله يمينا وشمالا ثم جلس يربط جزمته. وهو ما لم يفعله في بلاده، ولو حدث لتطوع البعض لربط الجزمة.

طلبت من صديقي علي الشيرازي أن يجمعني بعدد من المثقفات.. فأرى الجمال والعلم معا. ووعد. وانتهى المهرجان وعاد الناس إلى بلادهم. ونسيت. فقد كنت حديث العهد برئاسة تحرير مجلة «آخر ساعة» ونشرت فيها كل أخبار المهرجان وصوره وكانت حديث مصر. وزاد توزيع «آخر ساعة» وفرحنا. وتمنيت أن أعود إلى إيران أكتب عن شعرائها العظام. وانشغلت ونسيت. ثم تلقيت خطابا رقيقا من الصديق الشيرازي يؤكد أنه لم ينس، وأنه اختار عددا من المثقفات، وأنه في انتظاري بطهران.. والمطلوب هو أن أحدد له متى.. وأنهن يتكلمن الإنجليزية والفرنسية والعربية.. وأنهن من بنات العائلات..

أعدت قراءة الخطاب الوردي الورق الجميل بالخط الفارسي. وفتحت عينيَّ على التاريخ. لقد جاءني هذا الخطاب بعد 38 عاما. ولا أعرف إن كان الخطاب قد كتبه في طهران أو القاهرة. المهم أنه جاء، وأنني أرى فيه معنى الصداقة والإخلاص والوفاء والوعد.

فشكرا لك يا علي!