موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة

TT

لم تعد الأعمال الموسوعية الحديثة جهدا فرديا كما كانت في بدايات نشأتها، ففي أزمنة التخصص لم تعد مؤسسات التعليم تستهدف إنتاج العالم الموسوعي الذي يفهم في الأدب والفلك والتاريخ والعلوم والمنطق وبقية حقول المعرفة كابن سيناء والفارابي والخوارزمي وغيرهم، وإنما غدت تستهدف إنتاج الباحث القادر على الوصول إلى المعلومة التي يحتاجها، وبالتالي اكتسبت الأعمال الموسوعية صبغة مؤسساتية، تتطلب فرق عمل متنوعة الاختصاصات، ومتعددة الاهتمامات، وكان الفرنسيون السباقين إلى العمل الموسوعي الجماعي في القرن الثامن عشر، وسارت على خطاهم بعد ذلك الكثير من الدول، أما في العالم العربي فلقد تأخر ظهور مثل تلك الموسوعات ذات الصبغة المؤسساتية، ولم تظهر إلا في القرن الماضي.

من أحدث الموسوعات العربية المتخصصة التي ارتكزت على فكرة العمل المؤسساتي، موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة الصادرة عن مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، وهي تهدف إلى رصد الأدوار المتعددة التي لعبتها مكة المكرمة والمدينة المنورة في مختلف المجالات، فالمدينتان ـ كما يشير المشرف العام على الموسوعة أحمد زكي يماني ـ هما أصل حضارة الإسلام، ومنبع النور الذي أضاء المعمورة، فللمسجد الحرام والمسجد النبوي دورهما المهم والحيوي في دعم المسيرة العلمية الإسلامية، حتى بعد أن انتقلت حواضر الدولة الإسلامية إلى دمشق، فبغداد، فالقاهرة، والأستانة، وغيرها.. وتغطي الموسوعة مجالات البيئة الطبيعية، والحرمين الشريفين، والحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية، والسياسية، والسيرة النبوية، والعمارة والتخطيط، ومصادر التاريخ المكي والمدني.

تأملت المجلد الأول من الموسوعة، فأسعدني ذلك الكم المعرفي الهائل عن آثار النبي صلى الله عليه وسلم، وآثار مكة المكرمة والمدينة المنورة، وأبواب الحرمين، والحجرة النبوية، وعناية الدولة السعودية بالحرمين، وغيرها من المعارف والمعلومات، فهذا العمل الثقافي الجاد سيشكل حتما إضافة علمية متخصصة إلى المكتبة الإسلامية، إذ كانت ثمة حاجة إلى مرجع جامع يضم جل ما كتب عن هاتين المدينتين المقدستين، وأخال هذه الموسوعة تلبي مثل هذه الحاجة، وتحقق هذه الغاية.

وإذا كانت الأعمال الموسوعية دليلا على حضارة الأمم فإن صدور أية موسوعة يستحق الاحتفاء لأنه يعكس بيادر الوعي في حياتنا المعاصرة، وحينما تكون الموسوعة عن مكة المكرمة والمدينة المنورة فذلك يستوجب المزيد من الاحتفاء لما لهاتين المدينتين في النفوس من مكان ومكانة.. فلكل من أسهم في صدور هذا العمل الحضاري العظيم صادق التقدير.