لماذا يكرهوننا..؟

TT

هذه ليست إجابة عن سؤال الغرب الذي طرحه مثقفوه بعد أحداث تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في نيويورك التي قضت على ما يقرب من ثلاثة آلاف شخص في ثوان معدودة، والتي فجرت هذا السؤال في الغرب. لماذا يكرهوننا في هذا المقال هي محاولة لفهم العكس، أي لماذا يكره الغربي العادي العرب والمسلمين، وخصوصا المهاجرين منهم. قضية عرب المهجر والمسلمين هي ليست العنصرية والإسلاموفوبيا فقط وإنما في كراهية الرجل العادي في الشارع لهم، ليس لأنهم يشكلون قلقا أمنيا له ولوطنه وإنما لأن المهاجرين العرب والمسلمين في الغرب اليوم يمثلون خطرا على الحريات الفردية والدستورية في البلدان الغربية التي يهاجرون إليها.

وقضية الديمقراطيات الغربية اليوم هي قدرة حكوماتها على تحقيق نوع من التوازن بين التزامها بمبادئها وقيمها المتعلقة بحرية الفرد وحكم القانون والتي لم تحصل عليها إلا بعد سنوات طويلة جدا من الصراعات والنزاعات والحروب الاهلية وموت آلاف البشر وتاريخ طويل وصعب من نضال الأفراد والنقابات والحركات والمنظمات الإنسانية، وبين التزام هذه الحكومات بحماية مواطنيها ومؤسساتها من التهديدات والخطر، أي معادلة الحرية والأمن كما تسمى هنا في بلاد الغرب.

المتتبع للتعديلات والقوانين الجديدة التي أصدرتها بعض الدول الغربية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، يجد أن الحريات الليبرالية والحقوق الأساسية التي تعتبر المقياس الأكثر استخداماً بالنسبة للديمقراطية الليبرالية مثل الحق في الحياة والسلامة الشخصية والتحرر من العبودية وحرية التنقل والمساواة أمام القانون وحرية الكلام وحرية الصحافة والحصول على المعلومات من مصادر متنوعة للمعلومات وحرية الانتساب للجمعيات والتجمع وحرية التعليم وحرية الدين ووجود قضاء مستقل والحق في التملك والبيع والشراء، كل هذه المكتسبات التاريخية حتى الحريات الأساسية أصبحت في خطر.

حرية حركة الأفراد والأموال والأفكار التي كان يتنفسها الغرب كالهواء كلها تغيرت بعد تعديل الكثير من القوانين القديمة واستحداث قوانين جديدة تتعلق بالإرهاب، وحماية أفراد المجتمع من أخطاره، خصوصا بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في نيويورك التي قضت على ما يقرب من ثلاثة آلاف شخص في ثوان معدودة، وكذلك تفجيرات قطارات مدريد في مارس 2004 والتي قتلت 191 شخصا وجرحت أكثر من ألف وثمانمائة آخرين، وتفجيرات لندن في يوليو 2005 التي وقعت متزامنة ومتسلسلة في ثلاثة من قطارات الأنفاق وحافلة للركاب.

هذا ما أدى بالطبع، حتى في ظل الأنظمة الديمقراطية، على ظهور قيود على حريات معينة، كالقيود القانونية على الطباعة والقوانين الخاصة بالتشهير والدعوة إلى الكراهية، إلى آخر هذا النوع من الكلام الذي كان يعتبر حقا مكتسبا لهذه الشعوب في السابق. الأمر لم يعد اليوم مقتصرا على هذا الحد المهذب من الرقابة، فلقد أصبح في الغرب قوانين لحدود الكلام، خشية أن يمرر كلام معاد للديمقراطية أو كلام يحمل في مضمونه تمجيدا أو تبريرا للإرهاب، وهناك أيضا قيود على الحق في الانتساب للجمعيات والتجمع خوفا من المنظمات الإسلامية التي يعتقد بأنها تدعم الإرهاب، وهناك رقابة على الإعلام والصحافة كالرقابة المفروضة على بث القنوات الفضائية في فرنسا وقرارات حظر مقترحة على مواقع إنترنتية في عدد من البلدان، خشية أن تكون هناك مواقع إنترنتية إرهابية تنظم لعملياتها عبر التقنية الغربية وتشجع عمليات الانتساب لصفوفها بين الشباب.. في بريطانيا، أصبح بالإمكان احتجاز الأفراد من دون محاكمة إذا ما كان هناك شك بأن هؤلاء الأفراد من ضمن جماعة إرهابية، وكان إلى وقت قريب الجدل حاميا في أروقة البرلمان الإنجليزي العريق حول المدة الزمنية التي يسمح فيها باحتجاز الأفراد من دون توجيه تهم إليهم وتقديمهم إلى القضاء. والآن في بريطانيا نفسها، تتم دراسة مقترح، وللمرة الاولى في تاريخ البلاد، يوصي بإصدار هويات شخصية يحملها المواطنون في تحركاتهم داخل بلدهم.

أما في الولايات المتحدة، فالأمر «ألعن وأدق رقبة»، فمباشرة بعد تفجيرات نيويورك في سبتمبر، أصدر الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش في نوفمبر 2001، بصفته الدستورية كقائد عام للقوات المسلحة، قرارا يخوله بإجراء محاكمات عسكرية للأجانب المتهمين بالإرهاب على أرض الولايات المتحدة الأميركية أو خارجها. هذه هي المرة الأولى بعد الحرب العالمية الثانية التي تلجأ فيها الولايات المتحدة إلى هذه المحاكم. وهذا القرار قد تم اتخاذه من دون موافقة مجلسي الشيوخ والنواب أو المحكمة العليا، أي من دون غطاء تشريعي أو قضائي.. إذن، وبعد مائتي عام من التبلور الديمقراطي للولايات المتحدة الاميركية، ينقلب رئيس أميركا على الدستور نتيجة الخوف من الإرهاب! حتى الأميركيون الذين أيدوا بداية قوانين مكافحة الإرهاب عادوا ليتخوفوا من أن هذه القوانين أعطت السلطة التنفيذية مبررا لمخالفة الدستور من دون العودة للسلطة التشريعية والقضائية.

ويكفي أن يطلع القارئ على ما سمي بـ «قانون الوطنية» ( (USA Patriot Act الذي صادق عليه مجلسا الشيوخ والنواب ووقعه الرئيس بوش في أكتوبر 2001. هذا القانون البغيض عدل الكثير من القوانين التي تخص الحياة السياسية والمالية والشخصية في الولايات المتحدة، وهدد بالفعل الحريات الفردية للأميركيين بقصد أخذ كل الاحتياطات اللازمة لحماية أمن الأميركيين. فالقانون الجديد مثلا يخفف من القيود القضائية على إجراءات مراقبة الهواتف والإنترنت. ويوسع القانون من صلاحيات الأجهزة الأمنية في القيام بعمليات تفتيش من دون مذكرة رسمية ومن دون معرفة صاحب العلاقة. كما يمنح القانون الجديد الـ FBI صلاحيات الحصول على السجلات المالية أو الطبية أو التعليمية لأي شخص من دون أمر من المحاكم أو حتى أي دليل إجرامي يسمح بإجراء عمليات مراقبة واسعة النطاق لأغراض استخباراتية من دون إبراز دلائل اشتباه في المحاكم.

الحكومات الغربية تقول إن هذه القيود ضرورية لضمان بقاء الديمقراطية أو لبقاء الحريات الديمقراطية بحد ذاتها. فلا يمكن مثلا تحت شعار حرية الكلام أن يسمح بالكلام لمن ينادي بالقتل، ولا يمكن للعملية الديمقراطية أن تكون متساهلة لدرجة أن تضم بين جناحيها أعداء الديمقراطية أنفسهم.

النقطة الجوهرية هنا هي أن المهاجرين العرب والمسلمين قد عقدوا حياة الناس التي كانت تسير في السابق بسلاسة، جعلوا من حياة المواطن العادي جحيما نتيجة للإجراءات الاستثنائية التي اتخذتها الحكومات الغربية، ولهذا بدأ الغربيون في كراهية أكبر للعرب والمسلمين، ليس بدافع العنصرية وأنما لأن المهاجرين قد عقدوا الحياة، ولك أن تنظر في طوابير التفتيش الطويلة في المطارات لكي ترى على وجوه الغربيين كراهية عالية للمسلمين والعرب، ومن تلك الأمثلة من الحياة العملية قد تعرف لماذا يكرهوننا.