هل بمقدور بوش وتشيني التصدي للاتهامات؟

TT

حتى مجرمو الحرب لهم أنصار ومعجبون، ففي يوم الثلاثاء تظاهر 15000 شخص في بلغراد بصربيا اعتراضاً على تسليم مجرم الحرب رادوفان كراديتش إلى محكمة الجزاء الدولية في لاهاي، حيث يواجه اتهامات بالتورط في أعمال تعذيب واغتصاب وقتل وإبادة جماعية.

إلا أن كل هذه الجرائم تبدو بالنسبة للغلاة من الوطنيين الصرب مجرد تفاصيل. وأثناء التظاهرة، ردد الحشد «يعيش رادوفان».

وعند تلقي أنباء إلقاء القبض على كراديتش، أعرب الكثير من الأميركيين عن رضاهم، لكنهم تساءلوا متى سيحين الدور على جورج دبليو بوش وديك تشيني لمواجهة المحاكمة عن ارتكاب جرائم حرب؟

يذكر أن كراديتش كان زعيم جمهورية صغيرة مارقة غير معترف بها وتولى المسؤولية عن ارتكاب إبادة جماعية، وتمكن من الفرار من قبضة العدالة على امتداد فترة تجاوزت العقد ولايزال يحظى بقاعدة من الأنصار والموالين.

في المقابل، نجد أن بوش وتشيني، زعيمي أقوى دولة على مستوى العالم، علاوة على أن أخطاءهما، رغم فداحتها، لا ترقى لمستوى تلك التي اقترفها كراديتش، فلا ينبغي أن يشعر أي شخص بالدهشة من استمرار وجود مؤيدين لـ«بوش»، وإن كان عددهم ضئيلا، أو أن إمكانات عقد محاكمة جنائية للرئيس ولنائبه منعدمة تماماً. بيد أن ذلك لا يعني أن بوش وتشيني ومعاونيهما لا يستحقون أن ينتهي بهم الأمر خلف القضبان.

في الواقع، خلص الميجر جنرال أنتونيو تاجوبا، الذي كلفه البنتاغون عام 2004 بالتحقيق في الانتهاكات التي وقعت داخل سجن أبو غريب، مؤخراً إلى أن: «القائد الأعلى والمسؤولين الأدنى منه أجازوا نظاما ممنهجا من التعذيب.. وتم نشر سياسة حكومية داخل الميدان تم بمقتضاها تجاهل معاهدة جنيف وقانون العدالة العسكرية.. بحيث لم يعد هناك أدنى شك بشأن ما إذا كانت الإدارة ارتكبت جرائم حرب».

لكن ماذا بشأن التكاليف البشرية المترتبة على هذه الجرائم؟ من الصعب تحديد هذه التكاليف بالنظر إلى ميل الإدارة إلى فرض السرية على سياساتها (وهو أمر يمكن تفهمه في ضوء التحذير الذي تلقاه الرئيس في يناير (كانون الثاني) 2002 من قبل كبير مستشاريه آنذاك ألبرتو غونزاليس حول إمكانية مثوله أمام محاكمة جنائية محلية بناءً على قانون جرائم الحرب). ومع ذلك، فإنه عندما تفحص «مشروع إساءة معاملة المحتجزين والمحاسبة» غير الحكومي آلاف السجلات الحكومية الداخلية، قام بتوثيق أكثر من 330 حالة «من المؤكد قيام المسؤولين العسكريين والمدنيين الأميركيين خلالها بإساءة معاملة أو قتل المحتجزين» داخل «منشآت أميركية بمختلف أنحاء أفغانستان والعراق وخليج غوانتانامو».

من جانبها، أصدرت «مجموعة مكلاتشي الصحفية» تقريراً منذ بضعة أسابيع سابقة، أشارت فيه إلى أن المعاملة الوحشية للمحتجزين شكلت أمراً روتينياً في أفغانستان وغوانتانامو، رغم أنه في الكثير من الحالات لم يكن للمحتجزين أدنى صلة بتنظيم «القاعدة».

والتساؤل الذي يطرح نفسه الآن: هل يشكل كل ذلك انتهاكاً للقانونين الأميركي والدولي؟ من المعروف أن الولايات المتحدة طرف في ميثاق الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، إضافة إلى أن التعذيب يعتبر جريمة فيدرالية. كما انه وقت وقوع غالبية الانتهاكات، جرم قانون جرائم الحرب أيضاً أي انتهاك للمادة الثالثة المشتركة من معاهدة جنيف التي تحظر: «المعاملة القاسية والتعذيب والتعدي على الكرامة الإنسانية». وطبقاً لمبدأ «مسؤولية القائد»، من الممكن أن يواجه جميع كبار القادة المدنيين والعسكريين مسؤولية جنائية لإجازتهم أو تساهلهم حيال الانتهاكات.

ومع ذلك، فإنه منذ عام 2001، عمد محامو الإدارة على صياغة آراء قانونية مصممة بهدف حماية رؤسائهم من أي مسؤولية جنائية مستقبلية، ومنذ ذلك الحين تم إخفاء أو تدمير الكثير من الأدلة. ثم في عام 2006 قام الكونغرس ذو الغالبية الجمهورية آنذاك بتعديل قانون جرائم الحرب، بأثر رجعي، بصورة جعلت إجراء محاكمات مستقبلية أمراً أشبه بالمستحيل.

وعلى كل الأحوال، لا يبدي أي من الديمقراطيين أو الجمهوريين استعدادهم لبدء إجراءات جنائية ضد مسؤولين رفيعي المستوى حاليين أو سابقين ممن لايزالون يحظون بدعم عام كبير. في الوقت ذاته، من غير المحتمل على الإطلاق أن تتمتع أي محكمة دولية بولاية قضائية على الأميركيين المتورطين في الانتهاكات.

ورغم كل ذلك، لا ينبغي أن نفقد الأمل في محاسبة المقصرين، وينبغي حث جون ماكين أو باراك أوباما على تشكيل «لجنة تقصي حقائق» رفيعة المستوى ولا تتبع حزباً بعينه في مطلع عام 2009. ويتعين على هذه اللجنة التحقيق وعقد جلسات استماع وإصدار تقارير عامة بشأن المسؤولية عن أعمال التعذيب وجرائم الحرب والانتهاكات الأخرى التي وقعت خلال فترة إدارة بوش.

ورغم أن هذه اللجنة لن ترضي من يرغبون في مشاهدة بوش وتشيني خلف القضبان، فإنها ستشكل خطوة كبرى نحو التغلب على الضرر البالغ الذي ألحقته الإدارة بسمعتنا كأمة ملتزمة بحقوق الإنسان. ومع كشف المزيد من التفاصيل التي تدين الرئيس ونائبه، ربما يتضاءل أعداد أنصارهم ومؤيديهم.

* خدمة «لوس أنجلس تايمز»

خاص بـ «الشرق الأوسط»