رخيص!

TT

عادت حمى البترول للهدوء قليلا بعد أن خفت موجة الصعود الحاد جدا، وشهدت معدلات أسعار البرميل نزولا ملحوظا لم يلحظه الناس منذ فترة ليست بالقليلة. والملاحظ أن «الشكوى» الحادة من ارتفاع أسعار النفط لم تكن تأتي حقيقة إلا من الولايات المتحدة الأمريكية، وهي التي كانت تهدد عبر مجلس الشيوخ فيها باتخاذ عقوبات شديدة بحق أعضاء منظمة البترول (أوبك)، وكانت هي التي دوما تطالب بإصرار على ضرورة رفع معدلات الإنتاج. ولكن يا ترى لماذا كانت أوروبا والهند والصين صامتة ولا تنهج نفس الأسلوب الأمريكي الحاد جدا بالمطالبة برفع الإنتاج والاعتراض على ارتفاع الأسعار الشديد، وهي مسألة تؤكد وتدعم مقولة وزير البترول السعودي علي النعيمي الشهيرة: «هناك غزارة في الإنتاج ولكن يوجد أيضا سوء في التوزيع» وكأن الأسواق قسمت سلعة النفط فجأة وجعلت هناك نفطا لدول الأغنياء ونفطا للدول الفقيرة.

ولكن أي اقتصادي جاد ويحترم شهادته بإمكانه حقيقة الإجابة عن السؤال الاقتصادي العالمي الأهم اليوم: هل النفط يرتفع ثمنه فعلا؟ لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال بدون مراعاة أن وضع الدولار تغير وضعف، وقد يكون أن النفط يرتفع ثمنه والدولار تضعف قيمته ولكن حتما ليس بنفس الوتيرة أبدا، وطبعا من الممكن دعم هذا القول بالمراقبة الدقيقة لسعر البرميل باليورو مثلا. عندما تم وضع حد على المضاربة على النفط، وتم الإعلان عن السماح بالتنقيب في السواحل البحرية الأمريكية على البترول وتم تخفيض اللهجة الحادة ضد إيران بدأت العوامل التسعيرية «غير الطبيعية» تنعكس على حال البرميل وتجبر السعر على الهبوط لمستويات أكثر قبولا وعقلانية.

هناك حالة معلومة من قبول وضع سعر «عال» لبرميل النفط، وهناك تشريعات وسياسات تحاول التكيف مع الوضع «الأبدي» الجديد، ومن المرشح أن تنفتح نفس الجبهة النفطية على السلع البتروكيماوية أيضا من منظور قوى الضغط البيئية والحكم الرشيد والمسؤولية الاجتماعية، وهي كلها ديباجات وشعارات دخلت حديثا على القاموس السياسي ولكنها تحولت إلى خلايا ناشطة داخل الضمير الإنساني وتحركه وتؤثر فيه بقوة شديدة.

هذه سنة انتخابية بالولايات المتحدة الأمريكية والنفط «الأجنبي» سيبقى مادة دسمة جدا، وسيزايد كل مرشح على الآخر وسيعلن عن قدرته الفذة في التأثير على الدول المنتجة للنفط في إعادة النظر في سياساتها الإنتاجية لتكون أكثر عدالة. واقع الأمر أن الدول المستهلكة عليها مسؤولية هائلة.. مسؤولية تتطلب إعادة هيكلة العديد من القرارات والسياسات والتشريعات وحتما: التوقعات التي بنيت أيام عهد النفط «الرخيص»، فهذه أيام لن تعود.

[email protected]