حماس علمتنا الدرس

TT

ليس الدرس الذي نتعلمه من حماس هو فيما يجري هذه الأيام من أحداث فتنة مؤسفة بينها وبين فتح من اعتقالات متبادلة وتراشقات بالرشاشات والألسنة، فهذه فتنة حمى الله رماحنا منها فلنحمي أقلامنا وألسنتنا منها إلا ساع للإصلاح بين الطرفين ووائد للفتنة ومطفئ للهيبها، الدرس الذي علمتنا حماس هو في تساؤل مهم أوردته أخيرا صحيفة «الإندبندنت» البريطانية نقلا عن دبلوماسيين استغربوا فيه أن تنجح حماس في تجنيد أعضاء جدد في ظل حصار اقتصادي شرس تفرضه إسرائيل على قطاع غزة مما أدى إلى تفاقم البطالة في القطاع ووصول معدلاته إلى أرقام قياسية، كما أدى هذا التضييق إلى نقص المواد التموينية الرئيسية والطبية وارتفاع معدلات الوفيات، فكانت النتيجة الحتمية في نظر إسرائيل وأمريكا ضجر الغزاويين ومن ثم تحميل حماس مسؤولية ما آل بالقطاع من أوضاع إنسانية مزرية ثم الانقلاب عليها وتصفية قادتها.

ليست المفاجأة أن حماس نسفت كل تلك الحسابات فنجحت في أن تنجو من انتفاضة غزاوية على انتفاضتها وأن تثبت وضعها السياسي والعسكري فحسب، وإنما نجحت حماس أيضا في استقطاب عدد كبير من الغزاويين إلى صفوفها، يقول مراسل «الإندبندنت» القدس إن حكومة حماس المقالة صارت رب العمل الوحيد في غزة، وكشوف العاملين لديها في ازدياد بعد الركود الاقتصادي القياسي وبعد ارتفاع معدلات البطالة منذ أن استولت الحركة على مقاليد الأمور في القطاع قبل عام، يعني بكل المقاييس حماس هي المستفيدة مما سببه له أعداؤها وخصومها، وحتى لو عاد القطاع إلى سيطرة السلطة الفلسطينية فإن حماس قبل الحصار ليست حماس بعده في القوة وتعزيز سيطرتها في القطاع وبث نفوذها وتكثير كوادرها، ولو أن السلطة الفلسطينية استوعبت حقيقة وليس شكلا حركة حماس ورضت بنتائج العملية الديموقراطية ودمجتها في العملية السياسية ولم تتعامل معها بروح الإقصاء لكانت قطعت على حركة حماس كثيرا من المكاسب التي حققتها على حساب حركة فتح.

هذا خطأ كربوني مستنسخ لاستراتيجية أمريكا في محاربة الإرهاب (مع التأكيد أن حماس التي تقاوم الاحتلال الإسرائيلي ليست إرهابية)، فالعراق الذي كان الإرهاب واحدا من مبررات غزوه لم يكن له علاقة تذكر بالإرهاب، ولم يكن للإرهاب فيه جذور ولا أغصان، وبفضل استرتيجية بوش الذكية في محاربة التطرف قفز العراق ليكون الأول في رعاية الإرهاب وتفريخه «صوصه» وحضانته، بل وتقديم خدماته لحضانة الراغبين في المزيد من التربية الإرهابية من شعوب الدول المجاورة، إن استراتيجية الحرب الأمريكية على الإرهاب غير المدروسة النتائج أدى إلى عالم أقل أمنا وأكثر إرهابا.

وقل نفس الشيء عن استخدام الأسلوب الغلط في محاربة الإرهاب وتجفيف ينابيعه في بعض الدول العربية التي تواجه هذه المشكلة العويصة، فما زال الغلط يتكرر في تعميم الأحكام وقذف البريء بتهمة المذنب، وأدى التضييق على عدد من المؤسسات الخيرية والنشاطات التي تستوعب النشاط الشبابي وتوفر لهم مناخا ملائما يقضون فيه أوقاتهم بما ينفعهم ويحصنهم من التطرف بنوعيه الغالي والجافي، إلى تعزيز فرص التطرف والإرهاب لتعزيز مواقعه، فالشباب بطاقته وحيويته إذا لم يجد متنفسا معتدلا لهذه الطاقة صرفها في الأقرب المتاح ولو كان متطرفا.

[email protected]