كان الناس جيادا تبدد التعب بالصهيل!

TT

حينما كان الزمن طريا، طروبا، ومنتشيا، كان كل ما فيه يغني.. الأولاد يمسرحون الشوارع بالغناء:

«عمي يا جمال:

فين جمالك؟

في الكندرة

إيش يأكلوا؟

حب الذرة

إيش يشربوا؟

عطر الندى».

عمال البناء يثقل سواعدهم الحجر والطين فيبددون التعب بالغناء:

«سيدي بنا بيته

ما علاه

ليته يا ليته

كان علاه».

البحار في مركبه الشراعي يضنيه الشوق فيرفع عقيرته بالموال:

«كلا معانق حبيبه في هنا وسرور

وأنا معانق خشب وسط البحر بيعوم».

الحمالون على رصيف الميناء يشحذون العزائم بالغناء:

«أربعة شالوا الجمل

والجمل ما شالهم».

اليوم تجهم وجه الزمن، فخلت الشوارع من الأهازيج، وميادين العمل من الغناء، وابتلع الصمت كل شيء.. الناس غدت ـ كما يقول باولو كويلو ـ كالجمال الخائبة، تسير آلاف الخطى من دون أن تبدي أية إشارة تدل على تعبها، ثم تقع فجأة على ركبتيها وتنفق، وقد كان الناس في الماضي جيادا تبدد تعبها بالصهيل.

في هذا الزمن ليس لك الخيار في أن تكون جملا أو جوادا، ولو بلغت كفك أن تحك ظهرك، فلا بأس أن تتأكد إن كان قد نبت لك سنام، ولا تجزع إن عثرت على سنامين دفعة واحدة، فثمة جمال برية لها مثل هذه السمات.. أجدب الربيع في دواخل الزمن، وداهم الناس الجفاف، وغاب الصوت الذي كان يهدهد ليل العاشقين بلثغته:

«الليل ما يحلا إلا بجلاسه

والقلب ما يسلى أهل الهوى وناسه»

فليس ثمة «يا ليل» في الليل، ولا «جلاس».