كتابات للصيف قلب المغرب، قلب المشرق، قلب الجزيرة

TT

ذهب الرحالة غالبا في اتجاه بلاد الغير، يتعرفون عليها ويعرفون بها، لكن أمين الريحاني، مثل ابن بطوطة، جال في بلاد العرب، من المغرب إلى الجزيرة العربية، مرورا بمصر. ولم يذهب إلى الجزيرة من موطنه القريب لبنان، بل جاء إليها من نيويورك يوم رحلة المحيط شهرا، ثم اتخذ القطارات والبواخر والذلول والدواب، وراح يقابل في كل مكان ملوك البلدان وسادتها، وفي النهاية ترك لأدب الرحلات مجموعة من الآثار الجميلة: المغرب الأقصى، ملوك العرب، تاريخ نجد الحديث، قلب العراق.

كان هذا المهاجر اللبناني شخصية عجيبة غريبة يريد أن يحقق كل شيء في وقت واحد: يريد أن يقيم وحدة عربية بعدما شاهد ماذا فعلت وحدة الولايات لأميركا. ويريد أن يرد الخطر الصهيوني لأنه عرف من إقامته في أميركا أن قيام إسرائيل أصبح وشيكا. ويريد أن يصلح العالم ويحرره من شروره. وجاء إلى أوروبا وجال في أوروبا وفيها التقى، كما في نيويورك، رفيقه في الرابطة القلمية جبران خليل جبران.

كان الريحاني (مواليد 1876) في الحادية عشرة عندما هاجر مع أحد أعمامه إلى نيويورك. لكنه عاد إلى بلده عام 1898 ثم سافر مجددا بعد عام وعاد عام 1904 مرورا بمصر، فالتقى الخديوي إسماعيل والمفكرين والسياسيين. وفي عام 1922 بدأ رحلته الشهيرة في الجزيرة والتقى الملك عبد العزيز فبهرته شخصيته واستمر في الكتابة إليه. وقد جاء إلى الرياض من البحرين، حيث ساعده في إعداد الرحلة ممثل الملك الشيخ عبد الرحمن القصيبي.

كم شخصا أراد أمين الريحاني أن يكون. لا أدري. لكنه كان في وقت واحد عضوا في المجمع العلمي في دمشق وعضوا في عصبة الشعراء الأميركيين في عز انتساباتها. وحلم الريحاني بأن ينتقل التقدم الصناعي في الغرب إلى العرب. وزار الإمام يحيى في صنعاء فقال له إن القليل من الحرية ينقي هواء المدينة.

عندما كان يعود إلى منزله في «الفريكة»، كان يحول المنزل إلى ملتقى لكبار الأدباء والسياسيين في سورية ولبنان، وأشهرهم محمد كرد علي وعبد السلام الغلاييني والأخضر الصغير. وبالإضافة إلى كل هذا الجد والكد والترحل، كان رجلا ظريفا. وقد كتب شقيقه البرت الريحاني سيرة «عائلية» له، تروي كيف أن هذا السائح العربي الكبير، كان لا يكف عن تدبير المقالب. وكانت مقالب خفيفة هدفها الأول أن يضحك أمه. وقد مات عام 1940، قبل عامين من استقلال لبنان، الذي كرس جل عمره، هو وجبران، من أجل حريته.