كتابات للصيف غرناطة فاس.. روما علوم

TT

عندما أصدر امين معلوف كتابه «ليون الافريقي» اعتقد كثيرون انه مكتشفه ايضا. فقد طغى اسلوب امين الساحر والرواج العالمي الذي لاقاه الكتاب والجوائز الادبية التي حصدها، على عملية البحث في موقع او مكانة حسن بن الوزان الغرناطي المغربي الرحالة الجغرافي العالم. وبدا ايضا وكأن امين قد ختم البحث في حياة بطله الذي خطفه قراصنة اوروبيون وسلموه الى بابا الفاتيكان ليون العاشر الذي احتضنه وقدر علومه ومنحه اسمه فصار يعرف «ليون الافريقي». وقد تنصر تحت الضغط واستعاد اسلامه فيما بعد وعاد الى مدينته فاس بطريق تونس.

درَّس الحسن الوزان العربية لرجال الكنيسة واطلعهم على كتابات العرب في الفلسفة والطب والكيمياء والجغرافيا. ووضع المعاجم والتراجم، بالعربية واللاتينية. لكنه اضطر ايضا، ربما تحت الضغط، الى انتقاد اسلوب الحياة الاجتماعية في المغرب. وانتقم لتعرض بعضهم لابن خلدون ما بين تلمسان وفاس. وقسى عليهم كما قسى صاحب المقدمة. ولم ينج منه بدو تونس او الجزائر او ليبيا، خصوصا قبيلة عروة في ضواحي مستغانم التي منها اديبتنا العزيزة احلام مستغانمي.

قلت اننا كنا نعتقد ان امين معلوف هو الذي «اكتشف» ليون الافريقي وحياته الاسطورية وتنقلاته العجيبة بعيد سقوط مدينته، آخر حصون الاندلس. لكنني اكتشفت فيما بعد ان عشرات الكتب قد وضعت عن الوزان، وان رواية امين ليست سوى احدثها وأحبها. ولم يهمل العرب تاريخ الوزان ولا المستشرقون. ويبدو ان (المعلم) بطرس البستاني كان اولهم عام 1867، وهو احد ابرز مؤرخي الاندلس. ثم نجد عام 1933 كتاب «حياة الحسن الوزان وآثاره» لمحمد المهدي الحجوي. والقى الكاتب القدير محمد عبد الله عنان الكثير من الضوء على «الحسن الوزان او ليون الافريقي» في مجلة «العربي» 1962، ثم القى محاضرة في جنيف بعنوان «شخصية الوزان الغرناطي» عام 1967. وفي هذه المرحلة تزايد اهتمام كتاب وعلماء المغرب بسلفهم الكبير.

سبق البستاني المستشرقين في الكتابة عن الوزان. وكان المستشرق الفرنسي شقير قد روى قصته في المقدمة التي وضعها لمؤلفه الاهم «وصف افريقيا». ثم تناوله المستشرق الشهير لويس ماسينيون في بدايات القرن الماضي، وأصدر ريمون موني عام 1945 كتاب «الاسفار العظيمة لليون الافريقي».

بعد صدور كتاب امين معلوف بقليل وقعت في مكتبة باريسية على مؤلف ضخم بعنوان «لايوتيه الافريقي». وقلت في نفس خبيثة: آه، الآن اعرف من اين اتخذ امين عنوانه. لكنني سوف اعرف فيما بعد ان هذه الكنية التي عرف بها الحسن الوزان منذ البداية، وان امين لم ينقل العنوان من مكان سوى مكانه. واما الجنرال لايوتيه، الذي عينه الاستعمار الفرنسي حاكما على المغرب، فقد كان «افريقيا» بمعنى العلاقة التاريخية بشمال افريقيا، والتي عرف خلالها اشهر شغوفة اوروبية بالاسلام والصحراء، ايزابيل ابرهارت، الروسية المولودة في جنيف، المقنعة بزي رجل، التي ماتت في السابعة والعشرين.