تركيا في قلب الصورة

TT

حكومة العدالة والتنمية التي يقودها رجب طيب أردوغان، والتي تحارب منذ اكثر من 5 أشهر على أكثر من جبهة داخلية، خرجت قبل ايام من قطوع سياسي مهم عندما رفضت المحكمة الدستورية التركية طلب المدعي العام عبد الرحمن يلشن قايا، حظر الحزب وارسال اردوغان وكبار اعوانه الى المقصلة السياسية، بتهمة السعي لإطاحة النظام العلماني القائم في البلاد.

ومع أن القرار الصادر لم يبرئ «العدالة والتنمية» تماما من هذه التهمة، فإن حجم ردود الفعل الإيجابية الاقليمية والدولية المرحبة والمشيدة تعكس مدى الثقة والدعم الذي يقدمه العالم لهذه الحكومة ولرغبته في بقاء حزب اردوغان في الحكم بسبب الدعم الواسع، الذي تلقاه سياساته ومواقفه واسلوب تعامله مع الكثير من المسائل والأزمات.

قد يكون سبب هذا الدعم العلني الذي يكاد يتحول الى تدخل مباشر في شؤون تركيا بالمجاهرة في الرغبة في بقاء اردوغان على رأس السلطة السياسية في تركيا، سياستها الانفتاحية الحوارية التقاربية التي تنتهجها منذ اكثر من 5 سنوات، سياسة في علاقاتها مع دول المنطقة والتي يهمها استمرار هذا النهج الذي يحتاجه الجميع في هذه الآونة.

خطوة البداية لاردوغان كانت مع قرار اعتماد دبلوماسية جديدة تهدف الى تحسين العلاقات مع دول الجوار وحلحلة عشرات المسائل المزمنة المعلقة والدائمة الجهوزية، لتكون حقل الغام متفجر على الحدود التركية مع جيرانها خصوصا مع سورية واليونان وبلغاريا.

ثم كانت وقفة تركيا التاريخية قبل 5 أعوام في التعامل مع الموضوع العراقي وقرار عدم المشاركة في العمليات العسكرية، والذي كلفها الثمن الباهظ في العلاقات مع واشنطن وتل ابيب، لكنه أربحها عودتها الى العالمين العربي والاسلامي بثقة وجدارة بعد سنوات طويلة من المقاطعة والجمود.

اردوغان وفريق عمله الذي اعتبر الرئيس التركي الحالي عبد الله غل صمام أمانه، الى جانب الأكاديمي أحمد داوود اوغلو ووزير الخارجية علي باباجان كان على موعد مع امتحان جديد، عندما قبل التحدي باستقبال القيادي الحماسي خالد مشعل في انقرة غير عابئ بالانتقادات والاعتراضات الغربية والإسرائيلية لمطالبته بقراءة جديدة معدلة لمسار الصراع العربي ـ الإسرائيلي تقوم على الواقعية والاعتدال في طرح المسائل يبدو ان مشعل لم يعرها الاهتمام الكافي.

وقفة ثالثة جاءت عندما قررت انقرة المخاطرة اقليميا بقبولها فتح ابوابها امام حوار باكستاني ـ اسرائيلي ودعمها العلني للجهود المبذولة على طريق وقف حمام الدم الفلسطيني ـ الفلسطيني وانهاء الازمات في السودان وافغانستان والعراق.

ثم كانت محطة بيروت حيث أعلنت تركيا قبل عامين وقوفها الواضح الى جانب لبنان ضد العدوان الاسرائيلي، مرسلة جنودها للمشاركة في الحملة الدولية لحماية هذا البلد ووحدته رغم الانتقادات والهجمات الاعلامية العنيفة التي تعرضت لها في الداخل والخارج، واضعة يدها بيد سعاة الخير الذين فتحوا قلوبهم ومجالسهم أمام أردوغان وصحبه.

بالأمس القريب كان أردوغان يصطحب وزير خارجيته ويقصد العاصمة اللبنانية بيروت، للمشاركة في جلسة انتخاب الرئيس اللبناني الجديد واحتفالات اداء قسم الرئيس ميشال سليمان، بدعوة من القيادات اللبنانية، تقديرا للجهود التي بذلتها الحكومة التركية على طريق التهدئة، والدعوة الى لغة التعقل والحوار بين اللبنانيين. لم يبخل اللبنانيون والعرب في تقديم مركز الصدارة الى أردوغان، فأجلسوه محاطا بالرئيس فؤاد السنيورة عن يمينه، وبالأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى عن يساره، ليأخذ مكانه في قلب الصورة للعائلة الكبرى، التي جاءت تتقاسم الأفراح والتهاني مع اللبنانيين وتشاركهم وقوفها الدائم الى جانبهم على طريق الوفاق والسلام.

الشبهات والانتقادات والتحذيرات سرعان ما تحولت الى دعم علني ومكشوف للدبلوماسية التركية، التي عززت مواقعها وحضورها في القمم الغربية والافريقية وفي قيادة الدول الاسلامية داخل منظمة المؤتمر الاسلامي ليكون مسك الختام مع استقبال عائلي للرئيس السوري في منتجع «بودروم» السياحي، اختار الرئيس الأسد ان تكون محطته الاولى في طريق العودة من ايران لمقاسمة اردوغان نتائج الزيارة، ولتنسيق المواقف على ابواب مرحلة جديدة من الوساطة التركية بين دمشق وتل ابيب.

قرار العالمين العربي والاسلامي منح تركيا هذا الدور، بعد سنوات من الحذر والريبة تستحقه عن جدارة، ولا حاجة للدخول في التفاصيل هنا فاللائحة ستطول وكل ما يمكن قوله ان قرار اردوغان الذي قبل فتح هذه الصفحة الجديدة من العلاقات العربية ـ التركية والعودة الى أخذ المكان في قلب الصورة بعد سنوات طويلة من الانتظار له علاقة مباشرة بما تردده حكومة العدالة والتنمية، وتدافع عنه منذ سنوات «لقد باتت هذه البقعة الجغرافية من العالم تستحق الهدوء والامن والاستقرار، بعد ما تحملته عبر العصور من أضرار وخسائر وما قدمته من تضحيات مكلفة لحماية مصالح الآخرين على أرضها» وهو موقف له علاقة مباشرة بما يعانيه حزب أردوغان اليوم من حملات وهجمات داخل تركيا وخارجها، هدفها إطاحته أو محاصرته وتقييد حركته.

* كاتب وأكاديمي تركي