تغلب على خصومك ثم استعن بهم

TT

في مسار الحملة الانتخابية، أثنى باراك أوباما على قرار أبراهام لنكولن بتعيين خصومه الثلاثة الأساسيين في ترشيح الحزب الجمهوري في مجلس الوزراء، مقترحا بأنه ربما يدعو هو أيضا خصومه للانضمام إلى الحكومة، إذا ساعد هذا على تكوين «أفضل حكومة ممكنة.»

لقد تفهم لنكولن، كما يقول أوباما، أن المشاعر الشخصية أقل أهمية من قضية «كيف نخرج هذا البلد من هذه الأزمة؟» وفكر جون ماكين أيضا في تجاوز الانتماء الحزبي، قائلا: «نحن ننتمي إلى حزبين مختلفين، وليس دولتين مختلفتين.»

بالتأكيد، إذا استعان الرئيس القادم بخصومه السابقين في دائرة مقربيه، في منصب نائب الرئيس أو كأعضاء في الحكومة، سيظهر مزيج نادر من التواضع والثقة المطلوب من أجل أداء حكيم على أعلى مستوى. ولكن هل يمكن لرئيس أن يشكل بالفعل فريقا من خصوم اليوم، وهل يمكن لهذا الفريق أن يحقق أي شيء؟ وعلى الرغم من أن نموذج لنكولن يبدو مثيرا للإعجاب ومطلوبا أكثر من أي وقت مضى، إلا أن عوامل عديدة في مناخنا السياسي الحالي تجعل من الصعب للغاية تطبيقه.

أولا، تترك الحملات الانتخابية الطويلة آثارها على الخصمين على مدى العديد من المناظرات المشاكسة والهجوم الشخصي والهجوم المضاد، لدرجة أن تصبح المشاعر قاسية، ليس فقط بين المرشحين، ولكن بين أفراد حملتيهما، حيث يتحول الخصوم إلى أعداء.

ولمزيد من التأكيد، كان الهجوم السلبي جزءا من سياستنا منذ الأيام الأولى، ولكن في عصر لنكولن، حتى نهاية القرن التاسع عشر، كان هذا الهجوم يأتي بشكل أساسي عبر الصحف الحزبية وليس التليفزيون، حيث تذاع الكلمات والصور المشوهة مرارا وتكرارا، مما يثير ضغائن لا تنتهي. في ذلك الوقت في الماضي، لم يكن معتادا أن يلقي المرشحون الرئاسيون بالخطابات، وأقل احتمالا من ذلك أن يتقابلوا في مناظرات. وبالطبع كانت فترة الجولات الانتخابية أقل بكثير.

ثانيا، تقلل فتراتنا الإخبارية التي تستمر على مدار 24 ساعة من إمكانية احتواء الآراء المعارضة بين المقربين من الرئيس. كانت اجتماعات مجلس وزراء لنكولن تشهد أحداثا عنيفة. كان الأعضاء يجاهرون بعضهم بعضا بالعداء، وكذلك مع الرئيس. ولكن نادرا ما ظهرت هذه المعلومات في الصحف؛ فقد علمناها من المذكرات والرسائل. نجد في مذكرات النائب العام إدواردز باتس أن مونتغمري بلير، المدير العام المحافظ لمصلحة البريد، انتقد ويليام سيوارد، وزير الخارجية المعتدل، قائلا إنه «كذاب ليس له مبادئ»، ووصف إيدوين ستانتون، وزير الحرب الراديكالي، بـ«الوغد الكبير». وقد رفض ستانتون حضور اجتماعات مجلس الوزراء لفترة طالما حضرها بلير.

إذا أذيعت أخبار مثل هذه الخلافات في نشرة الأخبار المسائية، وضخمتها برامج القنوات التلفزيونية، وحللتها المدونات السياسية التي لا تحصى، وأصبحت مادة للبرامج الفكاهية الليلية، سينهار أية فريق مكون من خصوم.

ثالثا، توجد خطوط صارمة تفصل بين الأحزاب الآن، فإذا قبل سناتور جمهوري أو ديمقراطي منصبا عاليا في مجلس وزراء الحزب المعارض، سيقع في دائرة شكوك من أعضاء الحزبين. لم يكن الأمر دوما كذلك. في الماضي، كان سياسيو واشنطن من الحزبين يجتمعون بشكل روتيني في عطلات نهاية الأسبوع من أجل لعب البوكر، أو تناول الشراب أو إجراء محادثات. أما اليوم، فلا تنتشر مثل هذه الصداقات علما بالحاجة إلى الحصول على تمويل مستمر، والحصول على الراحة عن طريق رحلات الطيران إلى المنزل، والعديد من أسباب الانشغال في الحياة الحديثة. منذ أربعة عقود، عندما أراد ليندون جونسون أن يكسر المعوقات ويحيل مشروع قانون الحقوق المدنية التاريخي إلى مجلس الشيوخ، ذهب إلى زعيم الأقلية الجمهورية إيفريت ديركسن، وهو يعرف أنه من الممكن أن يعتمد على علاقتهما الشخصية التي نشأت على مدى سنوات من زمالتهما في مجلس الشيوخ.

ولكن، بينما تجعل هذه العوامل الأمر أكثر صعوبة لبناء فريق من الخصوم في القرن الواحد والعشرين، إلا أن التحديات التي يواجهها الرئيس القادم تجعل من الضروري تنوع دائرة مقربيه. عندما سئل لنكولن لماذا اختار في مجلس وزرائه خصوما ومنافسين، كانت إجابته بسيطة. كانت الدولة في خطر. قال: «كنا نحتاج إلى أقوى الرجال. وكانوا هؤلاء هم أقوى الرجال. ولا يحق لي أن أمنع الدولة من خدماتهم».

عندما اختار لنكولن ستانتون كوزير للحرب، أظهر قدرة خطيرة على تنحية الضغائن القديمة جانبا. لقد تقابل هو وستانتون لأول مرة عندما عملا معا في إحدى المحاكمات في سينسيناتي في الخمسينات في القرن التاسع عشر. عندما رأى ستانتون لنكولن لأول مرة وجده أشعث الشعر ورث الثياب، فوصفه «بالقرد طويل الذراعين»، وقال: «إنه لا يعرف شيئا، ورفض أن يقرأ المذكرة التي اجتهد لنكولن في كتابتها. وشعر لنكولن بالإهانة».

ولكن بعد ستة أعوام، قرر لنكولن بصفته الرئيس أن فظاظة ستانتون وحدته هي المواصفات التي تحتاج إليها وزارة الحرب.

وكذلك، رفض لنكولن إقالة سالمون تشايس، الذي لم يتوقف عن انتقاد الرئيس صراحة، لأنه كان يعتقد أن تشايس كان أفضل من يدير وزارة الخزانة. قال لنكولن لأصدقائه الذين لم يستطيعوا فهم سبب تحمله: «لقد وقفنا معا في المحاكمة، وكان علي أن احتقر نفسي إذا سمحت للخلاقات الشخصية بأن تؤثر في حكمي على مدى ملاءمته للمنصب».

مع وجود المعارضة في دائرة المحيطين بالرئيس، يصبح الأكثر احتمالا أن يفكر كثيرا في افتراضاته الخاصة وأن يزن النتائج المختلفة، مما يؤدي في النهاية إلى اتخاذ قرارات أبعد نظرا. ومثال على ذلك قصة إعلان التحرير. في الشهور السابقة لإعلان لنكولن إعلانه التاريخي، استمع عن قصد إلى الجدال في مجلس وزرائه حول ما يمكن فعله في قضية العبودية. كان الأعضاء الراديكاليون يريدون لنكولن أن يتحرك بسرعة. وخشي الأعضاء المحافظون من أن التحرير «سيزيد من الصراع» مع الولايات الكونفدرالية، وهي الولايات الحدودية التي لم تعد تؤيد الحكومة الفيدرالية، وهذا يعني التسبب في ظهور احتجاجات في الشمال وأن الجمهوريين سيخسرون انتخابات التجديد النصفي. انتظر لنكولن حلول الوقت المناسب، مدركا أنه ينبغي قبل أية هجوم على العبودية أن يكون الرأي العام مهيئا لذلك. وبدأ بالتدريج يرى تحول في افتتاحيات الصحف، وفي المحادثات في الشمال، وفي آراء زملائه في الحكومة، حتى هؤلاء أصحاب أكثر الآراء محافظة.

وعلى الرغم من أنه علم أن المعارضة سيكون شرسة، إلا أنه وصل إلى حد الاعتقاد بأنها لم تعد «قوية بما فيه الكفاية لتحيل دون تحقيق الهدف». وأخبر وزراءه أن وقت النقاش انتهى، وأعلن التحرير عام 1863. قال لنكولن فيما بعد: «لقد كان في اعتقادي، بعد أن صدر الإعلان قبل موعده بستة أشهر، أن الشعور العام لن يتقبله.» وبسبب المناقشات الساخنة في مجلس الوزراء، كان التوقيت الذي اختاره ممتازا.

لم يكن لنكولن وحده هو من استعان بخصومه. في عام 1940، بعد سقوط معظم أنحاء أوروبا في قبضة ألمانيا النازية، قرر فرانكلين روزفلت أنه حان الوقت لتشكيل حكومة ائتلاف.

اختار روزفلت في منصب وزير الحرب الجمهوري المحافظ هنري ستيمسون، الذي كان يشغل منصبين عاليين مع رؤساء جمهوريين سابقين. واختار في منصب وزير البحرية فرانك نوكس، الذي رشح نائبا للرئيس في قائمة المرشح الجمهوري ألف لاندون عام 1936. كان الرجلان من أشد نقاد البرامج الداخلية الجديدة، ولكن كانت آراؤهما الداخلية أقل أهمية بالنسبة للرئيس من رغبتهما في الوقوف أمام النزعات الانعزالية لحزبهما وفي مساعدة الحلفاء ضد هتلر.

هناك أيضا قصة اجتماع في مكتب روزفلت الذي قدم خلاله اقتراحا مفضلا. فوافق عليه الجميع ما عدا العميد جورج مارشال. فسأله الرئيس: «ألا توافق على هذا، جورج؟» أجاب مارشال: «أنا آسف، سيدي الرئيس، ولكن لا أتفق معك على الإطلاق». فأصيب الرئيس بالدهشة، وتوقع أصدقاء مارشال أن يكون هذا آخر عمل يقوم به في واشنطن. وبعد عدة أشهر، طلب الرئيس من مارشال أن يكون رئيسا لأركان الجيش الأميركي.

إن دعوة مثل هؤلاء المعارضين داخل الحكومة يمثل اليوم تحديات أكبر من الماضي، ولكن من الصعب أن نرى أية خيار آخر لدينا. تشير استطلاعات الرأي إلى أن الأميركيين يتمنون أن يتخطوا الحزبية المتشددة والأفكار الصارمة التي منعت واشنطن على مدى عقود من أن تواجه المشاكل الخطيرة التي تحيط بها. لقد رأوا الضرر الذي وقع على البلاد نتيجة تشكيل حكومات ذات نفس الأفكار في واشنطن. قد يحسن أوباما وماكين فعلا إذا وضعوا هذا في حسبانهما أثناء اختيار نائب الرئيس وأعضاء الحكومة.

وبالرغم من كل شيء، يكشف التاريخ مدى خطورة أن يحيط الرئيس نفسه بأشخاص لديهم الفكر نفسه. اختار الرئيس التالي للنكولن جيمس بوكانان أفراد حكومته بعناية ليكون فكرهم مثل فكره، وبموافقة من المحيطين به، لم يفعل شيئا لمنع انفصال الولايات الكونفدرالية. ويعتبر الآن من أسوأ الرؤساء الأميركيين.

* كاتبةومؤلفة كتاب «فريق الخصوم: العبقرية السياسية لأبراهام لنكولن»

* خدمة «نيويورك تايمز»