لم يصنع في الصين .. بعد !

TT

أيام قليلة جدا ويتم افتتاح وإطلاق ألعاب بكين الاولمبية، وهذه الألعاب بالنسبة للصين ستكون بمثابة الاعلان الرسمي أمام العالم عن عودة التنين الصيني وبقوة على الساحة الدولية بعد أن كتمت الثورة الثقافية الشيوعية على أنفاس شعبها.

وتمتدح اللجنة الاولمبية الاستعدادات والتجهيزات المذهلة التي قدمتها الصين لصالح هذه الدورة، والتي انجزتها في زمن قياسي غير مسبوق وعلى أفضل المستويات، وتعتبر اللجنة أن هذا الانجاز سيكون بمثابة مؤشر جديد تقاس عليه وبه كافة الدورات الاولمبية القادمة.

والصين التي استثمرت قرابة الـ 23 مليار دولار في هذه الدورة فقط، وصرفتها على البنى التحتية لتطوير الكهرباء والمرافق العامة والطرق والمطارات ترى أن هذه الدورة ستقدمها للعالم بأسره كدولة عصرية ومتقدمة.

ولكن هذه الدورة ستقام وسط اضطرابات سياسية غير بسيطة تشهدها الصين في أكثر من موقع داخلها. ولعل أشهرها ما حدث خلال انتفاضة الرهبان البوذيين في إقليم التبت، والاحداث العنيفة التي تبعت ذلك. وما ينطبق على إقليم التبت ينطبق أيضا على إقليم زينجيانج صاحب الاغلبية المسلمة من السكان. فهذا الاقليم يعاني مر المعاناة مع السلطات المركزية وله العديد من الحقوق والمطالب.

الصين لا تزال تروّج لنفسها على أنها دولة شيوعية، وأن الحزب المركزي هو السلطة الاولى والأخيرة في البلاد، ولكن حقيقة الأمر تبدو غير ذلك، فالرأسمالية أصبحت الجهاز العصبي لهذه الدولة والمحرك الأهم لها، وحمى الثراء السريع أصابت الملايين من السكان وأحدثت الفجوات الاجتماعية الكبرى بين أهل المدينة وأهل القرية، وأتت مع هذا الثراء السريع أشكال الجرائم المنظمة المتوقعة والمعروفة في حالات كهذه، فانتشرت الدعارة والقمار والمخدرات والنصب. الفورة الاقتصادية الهائلة التي تشهدها الصين وتحصد نتاجها كان ثمنها إهمال وقتل الحريات والاستمرار في سياسات التمييز والتفرقة.

الصين عملاق اقتصادي يفرض سيطرته على العالم بازدياد وتصاعد، ولكن دولة بحجم الصين عليها مطالب أخلاقية عالية، فلا يمكن أن ترعى نظاما مثل كوريا الشمالية (تماما كالولايات المتحدة التي عليها إعادة النظر في علاقتها مع اسرائيل) الصين التي تتوغل في افريقيا بثقل وقوة وتعتبر قياس نجاحها في القارة السوداء بحجم افرادها هناك والذي زاد من مليونين الى عشرة ملايين في فترة قصيرة جدا، وبالتالي فاهتمام الصين بأفريقيا يعني «مواءمتها» لبعض الانظمة السياسية المريبة، والتي تمارس بحق مواطنيها الكثير من المخالفات والتعديات (وهي في تلك المسألة لا تختلف عن دول مثل بريطانيا وفرنسا وبلجيكا بل وحتى أمريكا التي كانت ترعى دكتاتور زائير المجرم موبوتو).

التألق الصيني كبير في عالم الاقتصاد وفي مجالات أخرى واعدة، العالم الثالث ينتظر المزيد من دولة لها الإرث الحضاري والانساني الذي ينتشر في العالم، فهي أحد أماكن وجود الحكمة والعلم بحسب تراث العالم القديم والحضارة الكونفيوشسية هي أكبر شاهد على ذلك، ينتظر انعاكس جاد في الحقوق والتواصل الانساني الكريم. الصين كانت بالنسبة لعدد غير بسيط من الناس هي مطاعم صينية تقدم وجبات مثيرة ومن ثم تحولت لمصدر لكل شيء وبسعر رخيص، تبقى النقلة النوعية للصين وهي أن تكون منبرا حضاريا بينها وبين العالم.

[email protected]