صواريخ الوهم

TT

هل تذكرون القاهر والظافر؟ لا تتذكرون؟ حسنًا ماذا عن الحسين والعباس؟ لا، أيضًا؟ إن الاسمين الأولين يخصان الصواريخ التي اعتمد عليها الديكتاتور المصري جمال عبد الناصر لتكون «سلاحه السري» في حربه الواعدة «معركة المصير» عام 1967. أما الاسمان التاليان فهما للصواريخ الخاصة بصدام حسين والتي كان من المنتظر منها تأمين انتصاره في «أم المعارك» عام 1991.

والآن أصبح لزامًا علينا أن نعلم اسمي الصاروخين المقبلين وهما شهاب وزلزلة، وهما يخصان حكام إيران الخومينيين، واللذين يعدانهما من أجل الحرب الحتمية التي لا مفر منها ضد الولايات المتحدة، ومن المحتمل إسرائيل أيضًا.

وفي تصريح صريح ومثير للدهشة أدلى به الجنرال محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري الإيراني في طهران الأحد الماضي، فإنه وضع الترسانة الصاروخية الخومينية في منتصف استراتيجيته تجاه الحرب المقبلة. وأشار إلى أن صناعة التسليح الإيرانية وضعت على قائمة أولوياتها إنتاج كميات ضخمة لجميع أنواع الصواريخ بأكبر سرعة ممكنة.

وأوضح جعفري أن المبدأ الدفاعي يقوم على 3 افتراضات رئيسة هي:

الأول، أن ميادين القتال ستكون بالخليج ـ خاصة مضيق هرمز. وأشار إلى أن قواته أعدت العدة والخطط اللازمة لإغلاق مضيق هرمز «بسهولة نسبية». ونظرًا إلى أن مياه الخليج تعتبر ضحلة، حيث لا يتعدى عمقها 90 مترًا، فلن يكون بمقدور البوارج البحرية الأميركية ـ متضمنة حاملات الطائرات ـ المراوغة داخل مياه الخليج، لذا ستكون بالهدف السهل للهجمات الانتحارية للزوارق السريعة الصغيرة، والتي ستهجم عليها بأعداد مهولة. وطبقًا لجعفري، فإن هذا المخطط يُعرف بـ»الهجوم الازدحامي»، وستبدو من خلاله البوارج الأميركية كالحيتان الضخمة التي تندفع نحوها الآلاف من الأسماك الصغيرة القاتلة.

أما الافتراض الثاني لجعفري، فهو أن الجمهورية الإسلامية ستدرس استمرار عمليات القتال لأسابيع قليلة، وحينها يغضب الرأي العام الأميركي ـ خاصة حركات السلام داخل الولايات المتحدة ـ وفي تلك الأثناء ستُجبر واشنطن على إيقاف الحرب قبيل إعلان انتصارها الكامل بالمعركة. ومثل هذه النتيجة، سيتم الترحيب والإثناء عليها داخل إيران على أنها انتصار للثورة الخومينية. ولقد شهدنا حدثًا مشابهًا على هذا النحو منذ عامين، وذلك من خلال حرب إسرائيل مع إيران (عبر ذراعها اللبنانية حزب الله). فبكل المقاييس التقليدية، تكبدت الوحدات اللبنانية التابعة لحزب الله هزيمة ساحقة، فقد فقدوا زمام الأمور على أراضي الجنوب اللبناني، ورأوا شبكات منصات الصواريخ التابعة لهم وهي تفكك وتزال، فضلاً عن أن ربع مقاتليها قد ماتوا في ميدان المعركة ناهيك عن أسر المئات منهم أيضًا. ومع كل هذا، فما زال الشعور والإدراك السائد حتى هذه الأيام هو أن حزب الله الموالي لإيران قد فاز بهذه الجولة من المعركة.

أما الافتراض الثالث، فهو أن قواته سيكون بمقدورها الصمود ومقاتلة الولايات المتحدة لأسابيع عدة، أو لشهور إذا اقتضى الأمر ذلك، وفي نفس الوقت حماية النظام من أعدائه الداخليين الذين لا حصر لهم، حيث قد ينتهزون الفرصة للإطاحة بالنظام الإيراني.

لقد تمت ترقية الجنرال جعفري ـ الذي اشتهر بكونه خبيرًا في الحروب غير التقليدية ـ إلى منصب قائد الحرس الثوري الإيراني لأنه دائمًا ما يؤكد أن النظام الخوميني باستطاعته الفوز على الولايات المتحدة المشوشة والمتشككة والمنشقة داخليًا. إن تفاؤل جعفري يعتبر مناقضًا تمامًا لتشاؤم سلفه يحيى رحيم صفوي، والذي أوضح في خطاب صريح أدلى به قبل أسابيع من صرفه من الخدمة، أن الجمهورية الإسلامية تفتقر للعتاد المناسب لقتال عدو يتميز عليها تسليحًا. وتحت إدارة جعفري، أنشأ الحرس الثوري نظام اللامركزية داخل أجهزة القيادة والتحكم، منشئًا 31 مقرا للقيادة تغطي جميع المحافظات الإيرانية الثلاثين بالإضافة إلى العاصمة طهران. كما استبدل غالبية القادة داخل قواته في أكبر حملة تطهير داخل صفوف القوات منذ 25 عامًا، حيث عزل أغلب الجنرالات الأثرياء المنشغلين بإدارة مؤسساتهم المتنوعة بدلاً من متابعة أعمالهم العسكرية. ومما لا شك فيه أن جعفري قد فعل كل ما بالإمكان أن يفعله قائد للحرس الثوري الإيراني. ولكن كما يشير جورج كليمنصو (رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق) فإن الحرب تعتبر بالأمر الخطير حتى يتم تركها للجنرالات فقط. وبالرغم من أن الحرب تتضمن وتقوم في الأساس على قدر ضخم من الأعمال العسكرية، إلا أنها تعتبر قضية سياسية في المقام الأول. وهذا يبرر لماذا تتطلب دائمًا إستراتيجية سياسية، الأمر الذي لم يتفق عليه سيناريو المخطط الحربي الذي وصفه جعفري. وبالنظر من زاوية أخرى، فإن الأمور قد لا تبدو بقدر السهولة التي يفترضها جعفري. فأول سؤال يتعين على قيادة طهران أن تسأله لنفسها: ما هو الهدف وراء توجيه الولايات المتحدة وإسرائيل لضربة عسكرية ضد الجمهورية الإسلامية؟ إن الافتراض الروتيني الذي قد يخطر بالبال هو الرغبة في تدمير المشروع النووي الإيراني الذي تزعم دول الغرب أن الهدف من ورائه هو صناعة القنابل الذرية.

وإذا كانت هذه هي القضية، فإن خطة جعفري لإغراق البوارج والمدمرات الأميركية، وإغلاق مضيق هرمز، وتدمير حقول النفط بالدول العربية، واحتمالية إطلاق بضعة صواريخ على إسرائيل لا تعتبر ذات جدوى. فمثل هذه الخطة ستصعد من الصراع كما ستتيح ذريعة لممارسات «تغيير النظام».

لقد كان الهدف وراء الائتلاف الذي قادته أميركا خلال حرب الخليج الأولى عام 1991، هو طرد صدام حسين من الكويت. وبمجرد تحقيق هذه الغاية، لم يكن هناك داع أو ذريعة لتحويل الحرب إلى حملة لتغيير النظام العراقي. وإذا ما كان صدام حسين اتجه إلى مهاجمة قوات الائتلاف أو إطلاق الصواريخ على الولايات المتحدة أو حلفائها إبان هذه الحرب، فإنه بذلك كان سيمنحهم الفرصة والحجة لإطالة الحرب حتى تغيير نظامه. لذا، فمن الواضح أن جعفري ليس مؤهلاً لتخمين الهدف المطلق وراء الحرب الأميركية المفترضة في هذا التوقيت بالذات. إن الإجابة على هذا التساؤل يجب أن تأتي من داخل القيادة السياسية، أو بالأحرى من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي والرئيس محمود أحمدي نجاد. وهذه الإجابة وحدها هي التي من المفترض أن تمنح جعفري أو أي مخطط عسكري آخر الإرشادات الواضحة واللازمة لصياغة إستراتيجية فعالة. وحتى الوقت الحالي، لم يقدم لنا جعفري حلاً للمشكلة التي لم يتم تحديدها في الأصل. وشأنه شأن دون كيشوت الذي حارب طواحين الهواء، فإن الجنرال بصدد إطلاق صواريخ الخداع على بوارج الفانتوم المبحرة في ضباب الافتراضات.