أصناف الزواج الجديدة في ما وراء المسألة الفقهية

TT

كتبت إحدى الصحف السعودية عن ظاهرة جديدة يعرفها المجتمع السعودي راهنا، هي «الزواج عن طريق الهاتف»، التي هي آخر تقليعات الزواج في العالم العربي، بعد زواج المسيار و«زواج فراند» الذي أفتى به الشيخ الزنداني في اليمن.

يتعلق الأمر بأشكال جديدة من الزواج، تلتقي في نقطة مشتركة، هي كونها لا تنسجم مع مؤسسة الزواج الرسمية، لا في مقوماتها الشرعية، بل في بنيتها الاجتماعية.

فالأشكال المذكورة من الزواج تحترم أركان النكاح في الإسلام، من عقد تراض ومهر وشهود وولي (على الرغم من الخلاف حول ركني الولي والشهود بين المذاهب الفقهية).

أما زواج المسيار فقد ظهر في سياق الأزمة الاجتماعية الحادة، التي عرفها العديد من البلدان العربية، واقتضاه العجز عن تأمين الإنفاق  الضروري على الأسرة، في حين يتمثل زواج فراند في إضفاء الصبغة الشرعية على العلاقات الجنسية بين الشباب، خصوصا بين الطلبة خارج سياق مؤسسة الزواج الرسمية.

صحيح أن بعض الفقهاء اعترض على الأنماط الجديدة من الزواج من منطلقات ثلاثة هي:

ـ تنافيها مع المقصد من إنشاء الأسرة، الذي هو التناسل وضمان استمرارية النوع الإنساني، وقيامه على مقتضى اللذة وحدها.

ـ التباسها بنكاح المتعة، أي النكاح المؤقت الذي يرى فقهاء السنة انه نسخ في آخر العهد النبوي (حجة الوداع).

ـ غياب شرط الإعلان الذي هو مدار الإشهاد والولاية في الزواج الشرعي.

وليست هذه الاعتراضات موضع إجماع، سواء تعلق الأمر بالمقصد العام للنكاح الذي هو الإحصان، أي تنظيم القنوات الشرعية للعملية الجنسية، التي ليست في ذاتها مذمومة ولا مستهجنة في الإسلام، على عكس الديانة المسيحية. فالنصوص المقدسة تعلي من شأن الجنس وتعتبره إحدى القربات المأجورة، إذا التزم الضوابط الشرعية، وتنبذ نزعة الرهبانية الانعزالية.

أما التناسل، وإن كان من مقاصد الشرع، إلا انه ليس الغاية الوحيدة من الزواج. وفضلا عن كون تحريم نكاح المتعة ليس مدار إجماع بين الفقهاء حتى داخل التقليد السني نفسه، على عكس الصورة السائدة (ما دام الخلاف قائما حول تاريخ نسخه، هل هو في حجة الوداع أو في عهد  الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، في الوقت الذي تمسك بإباحته بعض أجلاء الصحابة، في مقدمتهم حبر الأمة عبد الله بن عباس).

وكما ان بعض المذاهب (ابوحنيفة وقول عن الإمام مالك) لا ترى الولاية ركنا من أركان النكاح، فإن بعضهم لا يرى الشهادة ركنا ثابتا (مالك والعديد من فقهاء الأمصار).

أما الإعلان فيكفي منه الإشهاد ولو في حدود مضيقة (شاهدان لا تلتزم فيهما العدالة حسب بعض المذاهب)، ويذهب اغلب الفقهاء الى إباحة نكاح السر اذا توفر فيه الإشهاد ولو بالسر، كما يبيح الكثير منهم الزواج بنية الطلاق ولا يدخلونه في نكاح المتعة.

فالمشكل اذن ليس شرعيا، وإنما يصدر عن الاحتماء بمؤسسة الزواج التقليدية والدفاع عنها في مواجهة الأصناف الجديدة من العلاقات الأسرية، التي تبين أزمة المؤسسة العائلية الرسمية التي تتخذ أوجها عديدة.

فما يغيب عن الأذهان هو ان هذه المؤسسة تتعرض لهزة عاتية على غرار الأزمات الجوهرية، التي عرفها النظام الأسري في المجتمعات الحديثة الأخرى. ففي الغرب انهارت هذه المؤسسة ولم تعد تتحكم في النسق العائلي، الذي ظهرت فيه أصناف جديدة من الزواج، أضيفت عليها الشرعية القانونية كالتساكن الحر والزواج المثلي...

والفرق بين المجتمعات المسلمة والمجتمعات الغربية الحديثة ذات الخلفية الدينية المسيحية، هو السمة المؤسسية الصارمة للزواج، الذي لا يقبل الانفكاك ولا الانفصام في مقابل الصيغ المرنة والرخوة للزواج الإسلامي، الذي معياره الأوحد هو التراضي والقبول في العلاقة خارج دائرة المحارم الضيقة.

فالأشكال الجديدة من الزواج، التي عرفتها البلدان الإسلامية، لا تطرح إشكالات عقدية وفقهية، وإنما يجب النظر اليها في السياق الاجتماعي من حيث هي مظهر من مظاهر التحولات الجذرية، التي مست تركيبة النظام العائلي في البلدان العربية. ولذا فان الرهان هنا مجتمعي وليس فقهيا.