كتابات للصيف ملاحو بحر الرمل

TT

عبر الربع الخالي ثلاثة من الإنجليز: برترام توماس الذي كان ذا مناصب حكومية كثيرة في مسقط. وهارولد سانت جون فيلبي الذي أشهر إسلامه واتخذ لنفسه اسم عبد الله. وولفرد تسيغر، الذي عاش حتى العقد الماضي. ويعتقد تسيغر أن رحلة عبد الله فيلبي في الربع الخالي كانت أكثر أهمية وصعوبة من رحلة الكابتن برترام سيدني توماس. فقد اختار الأول طريقا «سهلة» متقاربة الآبار، فيما اختار الثاني طريقا شاقة وخطرة. على أن فيلبي نفسه يقول إنه مدين بالكثير للعابر الأول، الذي سبقه إلى إحدى أخطر الرحلات في التاريخ. وعلى نحو ما، كان الأول والثاني من رجال الإمبراطورية، في حين كان ولفرد تسيغر رحالة محترفا.

الصدف أن توماس وفيلبي دفنا في العالم العربي. الأول 1950 في القاهرة، والثاني أوائل الستينات في بيروت. أما الثالث، الذي سماه أهل البادية «بن لندن» فقد مات في بلاده متجاوزا التسعين من العمر. في الثمانينات صدر كتاب بعنوان «التوراة جاءت من جزيرة العرب» للدكتور كمال الصليبي، أستاذ التاريخ آنذاك في الجامعة الأميركية، بيروت. واستنادا إلى مجموعة من الأسماء المتشابهة ما بين عمان وعسير ولبنان وفلسطين، توصل الدكتور الصليبي، إلى أن كل ما قرأته البشرية عن الخليل ونابلس ونهر الأردن لا وجود له. الحقيقة أن كل الأسماء والأحداث الواردة في التوراة مواقعها الجزيرة. ثم صدرت للصليبي كتب أكثر إثارة للدهشة والجدل، بينها واحد حول سيرة «المسيح» خلاصته أن عيسى بن مريم لم يكن سوى نجار بائس ما بين الناصرة والقدس.

حاولت، في الثمانينات، مناقشة الدكتور الصليبي، ثم تراجعت مقتنعا بسرعة أن كفاءاتي دون التحدي. لكنني خرجت من الأبحاث يومها بأن الصليبي ربما استقى فكرته الأولى، ثم توسع فيها، من خلال النص الذي وضعه برترام توماس عن رحلته. ففي رأي توماس أن ظفار الخضراء الخصبة هي البلاد السعيدة وليست اليمن. هل من هنا التقط كمال الصليبي فكرته الأولى ثم راح يبحث عن مداميك لفظية لها؟ لقد أمضى الرجل منذ ذلك الوقت كل وقته في مقارعة النصوص التوراتية، وآخرها كتاب «أسرار التوراة». ونشر خلال هذه المرحلة سيرة ذاتية وكتابين عن تاريخ المملكة الأردنية.