أين شيوخ فلسطين؟

TT

لعل المسألة برمتها بدأت لحظة انتقال السلطة إلى غزة والضفة. لقد نجح الفلسطيني الأول ـ وربما الأخير ـ في استعادة شيء من الأرض، لكنه لم يحاول إقامة شيء من الدولة، فقد اعتاد أن يوزع الأدوار على من حوله، ثم يصدق، أو بالأحرى لا يصدق، الشخصيات التي اخترعها والأدوار التي وزعها.

وكانت البقائية بمفهومها العربي تتطلب شيئا من إغراءات الفساد وكثيرا من التغاضي. وقد أكثر أبو عمار من الاثنين. وكان طبيعيا في هذه الحال، أن تنشأ قوة بديلة تدَّعي النزاهة. وعندما عزل ياسر عرفات وحوصر، وتركه العالم العربي بدوره وحيدا، تزايدت قوة حماس واشتدت تحالفاتها، ووصل بها الأمر إلى فصل غزة، ثم إلى ضرب شوارعها، كما حدث في بيروت خلال العقود الماضية مع تبدل المواقع وتبادل القوى وانعدام ملامح الوفاء السياسي والاستقامة الوطنية.

يُختصر المشهد في غزة ـ ونابلس ـ اليوم بصورة واحدة هي الأكثر قباحة في الحروب الأهلية ـ أو سواها ـ هي صورة «رجال» الفريقين وقد تلثموا لكي يتمكنوا من خطف بعضهم بعضا وقتل بعضهم بعضا، دون التعرف عليهم. ويسيطر هذا اللثام الرخيص، فيما تتراجع الوجوه الفلسطينية الخيرة والنيرة، التي صنعت إلى حد بعيد الجزء العاقل والنقي من الحقبة الوطنية والقومية.

ولست محايدا ولا موضوعيا ولا مستقلا. أنا متحيز وملتزم عندما أتساءل اليوم أين هم شيوخ فلسطين وحكماؤها عن هذا العيب؟ أين المراجع الأخلاقية التي كانت دائما تشكل الضابط غير المرئي لجميع المخالفين والمكابرين؟ أين عبد المحسن القطان وسعيد خوري وشفيق الحوت ومنيب المصري لا يتدخلون؟ وأين بقية المستقلين الكبار الذين كان أبو عمار يخشى من هالتهم، فأبقاهم قريبين منه وبعيدين عن القرار السياسي؟

أمام هذا المشهد المتمادي على رجل في تاريخ وسمعة واحترام عبد المحسن القطان أن يخرج من العمل الاجتماعي إلى العمل السياسي ولو مؤقتا، هو ورفاقه، على الأقل من أجل أن يتذكر العرب والعالم، أن الفلسطينيين ليسوا فقط هؤلاء الملثمين الأقباح، الذين يتبادلون الخطف والسجن والتعذيب على مسافة أمتار من الجدار الإسرائيلي المتعالي والشامت.