خداع حقوق الإنسان في الصين

TT

تحت حكم الحكومات الشمولية، فإن كل شيء داخل البلاد يعتبر سياسيا، بداية من الرياضة والثقافة ووصولاً إلى الأعمال. ويتعين على الرئيس بوش والعديد من زعماء العالم الذين سيحضرون مراسم افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في بكين هذا الأسبوع (أمس) التوقف عن التظاهر بغير ذلك، خاصة بالنسبة للشعب الصيني.

وطبقًا لما أوردته صحيفة «بيبولز ديلي» الصادرة في بكين، فقد صرح الرئيس بوش إلى الصحافيين الآسيويين الأسبوع الماضي قائلاً: «لقد اتخذت قرارا بعدم تسييس الألعاب، فهي للرياضيين».

وسيحضر بوش والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء الأسترالي كيفين رود بصفتهم ساسة حاكمين، وليس بصفتهم رياضيين يلعبون الرماية أو دفع الجلة أو رياضيين يمارسون رياضة الوثب. إن احتجاجاتهم بشأن رفض الخلط بين السياسة والرياضة في هذه المناسبة ما هي إلا ممارسات لإخفاء هوياتهم.

فبدلاً من ذلك، يتعين عليهم أن يقوموا بتسليط دائرة الضوء على سجل حقوق الإنسان الخاص بالصين ووعودها الدائمة بإتاحة المزيد من الحريات الشخصية خلال فترة الألعاب الأولمبية، وهي الوعود التي سرعان ما تلاشت بعد أن استغلت قوات الأمن الألعاب الأولمبية للزج بالمنشقين داخل السجون وإبعادهم عن وسائل الإعلام العالمية.

ولكن كما كتبت الأسبوع الماضي من العاصمة الصينية بكين، فإن هذه الألعاب كلها من أجل السياسة ـ أو السياسة الصينية. فالحكومة الصينية تريد جلب العالم كله أمام المضمار الصيني، وليس أن تظهر هي نفسها إلى العالم. فاللجنة المركزية الحاكمة تريد أن تظهر للشعب كفاءتها على إدارة حدث ذائع الصيت مثل هذه الدورة، فضلاً عن القبول العالمي الذي نالته على مدار 19 عاما منذ مظاهرات ساحة تيانانمن عندما حولت الصين إلى دولة منبوذة.

لقد تسلم كل من الرئيسين بوش وساركوزي قائمة بأسماء السجناء السياسيين البارزين الذين يطلبون منهما إثارة هذه القضية مباشرة مع الرئيس الصيني، هو جنتاو، في بكين بالإضافة إلى الإعلام الصيني. وفي حقيقة الأمر، فإن قيامهما بهذا سيبرر قرارهما بالذهاب إلى بكين.

وقد اتخذ الرئيس الأميركي الأسبوع الماضي خطوة مبدئية بشأن هذا الهدف، وذلك لدى استقباله وترحيبه بمجموعة ـ رغم أنها صغيرة إلا أنها ذات أهمية رمزية ـ من المنشقين السياسيين بالبيت الأبيض. وتضم هذه المجموعة وي جنغ شنغ، أحد رواد الحركة المؤيدة للديمقراطية، وهاري ووه، الذي نشر عن نظام السجون بالصين، بالإضافة إلى ممثلين من الحركة المسيحية السرية المحظورة في البلاد، وأقلية اليوغور، والمجتمع المناصر لقضية التيبت في المنفى.

ومن وجهة النظر الصينية فإن مثل هذا الأمر يعتبر مثيرا للدهشة، شأنه شأن تلويح «هو» باستقبال بن لادن والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ورئيس الوزراء الفلسطيني لحماس إسماعيل هنية في مجمع زهونجنانهاي بالعاصمة بكين قبل زيارته إلى واشنطن. وفي الوقت الذي لقي فيه اجتماع بوش مع المنشقين الصينيين في البيت الأبيض القليل من الملاحظة داخليا، قدحت هذه الزيارة زناد الانتقادات والهجوم الإعلامي المكثف من الجانب الصيني.

ولم يثن البيت الأبيض ضيوف الرئيس بوش عن تبادل وتداول الوقائع الكاملة لزياراتهم له عبر البريد الإلكتروني، والتي تضمنت نصوص مقتطفات كاملة من تصريحات الرئيس التي يعد فيها بإثارة قضية حقوق الإنسان مع الرئيس الصيني خلال زيارته له وجها لوجه.

لقد كانت هذه الخطوة محسوبة تماما من قبل واشنطن ولم تصدر عن غير قصد، ولا تتعارض مع تلك الزيارة المشابهة التي قام بها مجموعة من النشطاء المسيحيين منذ عامين ماضيين، وحينها قدموا لي ملاحظاتهم حول إحدى مقالاتي الصحافية عن هذه الزيارة بعد انتهاء مقابلتهم على الفور.

وقد دعا النشطاء في ذلك الوقت الرئيس بوش للصلاة مع الجماعة المسيحية «السرية» ـ والذين التقاهم بصورة خاصة ـ دون تصريح رسمي ـ خلال رحلته إلى الصين، وبدا أن الرئيس قد وافق على الفكرة. ويتعين عليه أن يفي بهذا الأمر، كجزء من جهد دولي موسع للتأثير على مضيفيه الرسميين بشأن أهمية حرية الدين والتعبير وإمكانية الوصول إلى المعلومات.

وقد أصدرت منظمة العفو الدولية ـ التي كانت قد قدرت أن هناك نصف مليون شخص محتجزين في السجون الصينية من دون توجيه اتهامات ـ الأسبوع الماضي تقريرا تتهم فيه الحكومة الصينية باستخدام دورة الألعاب الأولمبية كذريعة لـ «تكثيف» ممارسات القمع السياسي.

أما في فرنسا فقد أثار قرار ساركوزي بالسفر لحضور افتتاح دورة الألعاب الأولمبية جدلاً واسع النطاق، فقد طالب دانيال كوهن بندت ـ العضو بالبرلمان الأوروبي والذي كان في السابق من الثوار السياسيين ـ الزعيم الفرنسي بالالتماس من الرئيس الصيني إطلاق سراح 7 من السجناء السياسيين ومنهم هوانغ كي الذي اُعتقل في شنغدو خلال شهر يونيو (حزيران) الحالي عندما حاول تنظيم ضحايا زلزال سيشوان للمطالبة بالعون والمساعدة.

وأوضحت لجنة الألعاب الأولمبية الدولية أنها لن تطلب من الصين تنفيذ تعهداتها السابقة التي أدلت بها للفوز بشرف استضافة دورة الألعاب الأولمبية. ومثل هذا الأمر لا يعتبر مدهشا بالنسبة لمنظمة اعتادت منح الموافقة على تنظيم الألعاب الأولمبية للدول الأعضاء بناء على وعود واهية أو محاباة مشوبة بالفساد.

وانطلاقا من هذه الحقيقة، فإن الأمر متروك لزعماء الدول من أجل المضي إلى بكين لإنقاذ السمعة السياسية للألعاب الأولمبية.

* خدمة «واشنطن بوست»

ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»