سنوات المطاردة ومحاكمة سائق بن لادن

TT

الحكومة طالبت بارساله ثلاثين عاما الى الحبس، وضباط المحكمة العسكرية الستة قرروا معاقبته بخمس سنوات ونصف السنة فقط. واتصور ان المتهم نفسه سالم حمدان، الذي قيل انه عمل سائقا لزعيم القاعدة اسامة بن لادن، كان يتوقع ان يعلق شنقا. فهل هذه أعظم نتيجة من سنوات محاربة الارهاب التي هزت العالم؟

تأكيد على خطورة المسألة بعث بنظام المحاكم العسكرية في الولايات المتحدة بعد ان طويت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. ودار حولها جدل كبير لانه كان يمكن الاكتفاء بمحاكمات مدنية، على اعتبار ان الضحايا اميركيون، والهجوم وقع على ارض اميركية، في الحادي عشر من سبتمبر، والذي برر الامساك بملاحقة الفاعلين في اي مكان في العالم.

هل كانت المحاكمة بداية خاطئة بدليل ان حتى محكمة عسكرية لم تجد في المتهم الاول ما يستحق محاسبته كثيرا، أم انها انطلاقة جديدة، لمحاكمة اكثر من مجرد سائق، الى قادة امثال خالد الشيخ محمد، وبن شيبه؟

فان كان الهدف هو تهدئة الخواطر، والتأكيد على عدالة النظام العسكري، خاصة ان معظم المحاكم العسكرية في العالم عرف بانها محاكم شنق، لا يعطى فيها المتهمون فرصا حقيقية للدفاع عن انفسهم، وتقام اساسا للانتقام من الخصوم او تخويف الآخرين، بعيدا عن المحاكم المدنية ذات الاجراءات الطويلة والحذرة. فيها يستمتع المتهمون ومحاموهم بحقوق كثيرة، اهمها حق الحصول على المعلومات التي قد تدينهم او تبرئهم. فان كان افتتاح المحكمة بسالم حمدان مجرد تهدئة للخواطر، واثبات حسن التقاضي للمحكمة ونظامها، فهو لم يعط صدى ايجابيا كثيرا، بل اصاب نوعين من الجمهور بالخيبة. الجمهور الأول استدل بالمحكمة ليكرر قوله بان مساجين غوانتانمو هم ابرياء، وبعضهم ضحايا لهجمة سياسية، مشيرا الى ان المتهم لم يكن حاصلا حتى على شهادة سنة رابع ابتدائي، كما لم يجد المحققون اي ادلة على تورطه في اي جريمة كانت. والجمهور الثاني يعتبر القاعدة اعظم خطر وانه لابد من عقوبات قاسية ويرفض مقولة ان هناك مجرد سائق لزعيم الارهاب. وجد المحكمة ضعيفة شخصا وعقوبة.

المهم انه بافتتاح المحكمة العسكرية انتهت المرحلة الاولى الطويلة وهي صيد المجرمين، ودخلت مرحلة جديدة بمحاكمتهم. انتهت المرحلة الاولى دون الامساك بزعيم القاعدة او نائبه او انهاء القاعدة، رغم مرور اكثر من عشر سنوات على الملاحقة التي بدأت منذ زمن الرئيس بيل كلينتون بعد الهجوم على سفارتي الولايات المتحدة في تنزانيا وكينيا.

لقد اثبتت الاحداث الكثيرة اللاحقة ان محاربة الارهاب ليست الامساك بالزعماء او السائقين او اقامة المحاكم، انها في الحقيقة محاربة مرض في غاية الخطورة اسمه التطرف. خطورة التطرف انه مهما قبض او شدد العقوبات على الارهابيين لم يقلل من انتشارهم ونجاحهم في انحاء العالم، لأن المشكلة في الفكر لا في العقوبات. وهذا لم يفهمه بعد الاميركيون ولا كثير من المشتغلين في محاربة الارهاب.

[email protected]