موري ـ تاني؟!

TT

موريتانيا بلد فريد ومختلف و«غير»، فهو رأسه في العالم العربي وقدماه راسختان في أفريقيا، وبالتالي ظروفه قد تكون مختلفة عن سائر البلاد العربية الأخرى.

وتاريخيا عرفت بلاد «شنقيط»، وهو أحد الأسماء القديمة لموريتانيا، بأنها ديار العلوم الشرعية العريقة، فخرجت الدعاة والعلماء وكانت مركزا معروفا للوسطية والتسامح. ومؤخرا كان لموريتانيا الفرصة لصناعة تاريخ سياسي جديد في العالم العربي، وهي المنطقة التي لم تتعود على الأخبار السارة في عالم السياسة، ولذلك كانت المفاجأة مبهجة حينما أوفى الجنرال الحاكم ولد فال بالتنازل في موعد محدد لصالح الحكم المدني.

وهذا الخبر حينما حدث كان له وقع الذهول لان العرب تعودوا أن يعد العسكر بعد وصولهم للحكم بكل ما لذ وطاب من الوعود المعسولة ثم «يلحسوها» ويستمروا على الكرسي إلى ما لا نهاية. ولكن موريتانيا لم تستطع أن تنزع رداء عروبتها، وعادت إلى عادات العسكر الأصيلة وتم الانقلاب على خيار الشعب، وعادت عقارب الزمن إلى الوراء وبات على السادة المقيمين خارج وداخل موريتانيا مراعاة فارق التوقيت وعدم الإقدام على الأحلام من جديد.

وموريتانيا «العربية» تستطيع أن «تفلت» بانقلابها الأخير، فحالتها ليست بغريبة أو شاذة ولكن موريتانيا «الأفريقية» ليست كذلك لأن «أفريقيا مانديلا» بدأت في كتابة تاريخها السياسي من جديد وبدأت مؤسسات الحكم والمجتمع المدني تراقب جدية الحراك السياسي والانتخابات وشفافيتها، وبدأت قواعد الحكم الرشيد تطبق وتراقب بفعالية وأمانة وجدارة، ولذلك يظهر نموذج الرئيس موجابي في زيمبابوي كالنموذج «الخارج» الذي بحاجة لإعادة تأهيل وعقاب رادع. فمن الواضح أن أفريقيا تقدم اليوم للعالم نماذج من الحكم الرشيد والمؤسسات السياسية، أفضل مما هو موجود عربيا.

والمثال الذي حدث في موريتانيا يعيد للأذهان عشرات الأمثلة السوداء التي كانت عبر العسكر تكرس للفرد الحاكم حتى ولو على حساب الوطن، بحيث يصبح العسكري الحاكم فعليا وعمليا هو الرمز والدولة والأمل والإصلاح في بوتقة وباقة مثالية واحدة، وطبعا خلال كل ذلك يتحدث بهدوء ولطف وعصا الجيش الغليظة على رؤوس مواطنيه، يا له من حل!

الانقلاب العسكري الأخير الذي حدث في موريتانيا بالرغم من كونه حدثا محليا بحتا، وأن الصدمة تخص الموريتانيين أنفسهم في المقام الأول، إلا أن آثارها طالت العالم العربي الذي ما كاد يتعلق بالأمل، أمل إصلاح سياسي وحكم رشيد طال انتظاره، ولكن يبدو أن هذا مطلب صعب المنال! انظر حولك وتأمل هل هذه المنطقة قابلة للإصلاح.. لا أعتقد!

[email protected]