الضربة التي على أوباما توجيهها

TT

على امتداد الأسبوعين الماضيين، عمد أنصار «جون ماكين» إلى التقليل من أهمية تقدم «باراك أوباما»، سيناتور ولاية إلينوي، في استطلاعات الرأي الوطنية وتحويل الأنظار العامة بعيداً عن الخيارات السياسية الجوهرية التي يتعين على الأمة الاختيار بينها، ونحو الطبيعة النخبوية المزعومة التي يتسم بها «أوباما».

في الواقع، شكلت مسألة التركيز على الطبيعة النخبوية المزعومة لأعضاء الحزب الديمقراطي الاستراتيجية التي انتهجها الجمهوريون خلال السنوات العشرين الماضية سعياً لضمان الفوز بالانتخابات الرئاسية، وذلك منذ أن أدرك المخطط الاستراتيجي البارز لدى الحزب الجمهوري، «لي أتواتر»، أن بمقدوره تعبئة مشاعر الكثير من الناخبين ضد النخب الثقافية، بدلاً من الاقتصادية.

ويخلق هذا التوجه مشكلة أمام «أوباما» تتركز حول كيفية إعادة مسار الحملات الانتخابية مجدداً إلى تناول القضايا السياسية والاقتصادية، وفي الوقت ذاته التأكيد للناخبين الذين لم يحسموا اختيارهم بعد أنه ليس الشخصية «المتغطرسة» المنفصلة عن هموم الأميركيين العاديين، التي يختلقها «ماكين» ومعاونوه. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، يتعين على «أوباما» العمل كنصير ومدافع عن حقوق الطبقتين الوسطى والعاملة بصورة مقنعة.

ومن الملاحظ أن «أوباما» خسر أصوات البيض من أبناء الطبقة العاملة لصالح «هيلاري كلينتون» خلال الانتخابات التمهيدية، رغم أن السياسات الاقتصادية الجوهرية التي اقترحتها لم تختلف كثيراً عن تلك التي طرحها. بيد أن مسألة مواجهة «أوباما» لمثل هذا القدر من الصعوبة في الفوز بأصوات هذه الطبقة في مواجهة «ماكين» يكشف عن المصاعب التي يخوضها المرشح الديمقراطي من أجل إقناع الناخبين بأنه يقف إلى صفهم فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية.

من بين الاختلافات الجوهرية بين المرشحين الديمقراطي والجمهوري والتي يبدي «أوباما» تردداً حيال تسليط الضوء عليها توجه كلاهما إزاء العولمة والاستثمار.

من جانبه، يتخذ «ماكين» التوجه الجمهوري التقليدي إزاء هاتين القضيتين (والكثير غيرها). ويرى «ماكين» أن تعزيز الاقتصاد الأميركي يتطلب الإبقاء على إجراءات خفض الضرائب التي تم اتخاذها حيال الأميركيين بالغي الثراء وخفض الضرائب على الشركات. في المقابل، يعترف «أوباما» بالتكاليف، وكذلك الفوائد، المترتبة على النشاط التجاري ويرى أن العولمة تتطلب تعزيز شبكة الأمن المرتبطة بالعمال الأميركيين في الداخل وإقرار معايير قابلة للتطبيق فيما يتعلق بقضية العمالة في أي اتفاقات تجارية مستقبلية.

وعلى خلاف «ماكين»، يفضل «أوباما» سياسة الاستثمار الداخلي التي توجه أموال الضرائب والاعتمادات الضريبية لبناء اقتصاد أكثر حفاظاً على البيئة. يوم الجمعة، تحدث «أوباما» فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية عن الاستثمار في مشروعات البنية التحتية وخلق وظائف بقطاعات صديقة للبيئة، دون أن يحاول تسليط الضوء على التباينات القائمة بين توجهاته وتلك الخاصة بـ«ماكين»، أو «جورج دبليو. بوش» الذي من المتعذر تمييز سياساته الاقتصادية عن تلك التي يقترحها «ماكين». ولا يمكن لـ«أوباما» المضي قدماً في هذا النهج إذا ما كان يرغب حقاً في تحقيق الفوز.

وماذا يضير «أوباما» إذا عمل على تفنيد اقتراح «ماكين» بخفض الضرائب على الشركات؟ ومن الواضح، أن «ماكين» يرغب في مكافأة الشركات التي نقلت مصانعها إلى خارج البلاد.

يذكر أنه خلال الشهور الثلاثة الأولى من هذا العام، جاءت 35% من أرباح الشركات الأميركية من نشاطاتها بالخارج. ومثلما أوضح «فلويد نوريس» من صحيفة نيويورك تايمز، فإن هذه النسبة تبلغ قرابة ضعف الأرباح التي حصدتها الشركات الأميركية من الخارج منذ عقد مضى. بيد أن مقترح «ماكين» من شأنه خفض الضرائب المفروضة على الشركات التي تبقي على مقرها الرئيس هنا، بينما توجد جميع نشاطاتها الفعلية وموظفيها في الصين أو الهند أو فيتنام.

أما مقترحات «أوباما» فلا تنطوي على مثل هذه المكافآت السخية لعمليات نقل النشاط الصناعي الأميركي للخارج (أوفشور)، بل وتعمل سياساته الاستثمارية ـ التي تدعو لإنفاق 150 مليار دولار على مدار العقد القادم على بناء اقتصاد يتميز بقدر أكبر من ترشيد الاستهلاك، وعرض 4 مليارات دولار على القطاع المحلي لصناعة السيارات ـ على توظيف الأموال العامة لتعزيز الاقتصاد الأميركي خلال فترة يجري فيها استغلال الأموال الخاصة في دعم اقتصاديات الدول الأخرى.

إلا أن «أوباما» بمقدوره بذل المزيد من أجل تعزيز الاقتصاد المحلي. على سبيل المثال، اقترح «رالف جوموري»، الرئيس السابق لـ«سولان فونديشن» ضرورة أن ينطوي قانون الضرائب الأميركي على مكافآت للشركات التي تخلق وظائف ذات رواتب جيدة على الصعيد الداخلي، وهي استراتيجية ترمي لإعادة اجتذاب النشاط الصناعي إلى الداخل. وينبغي على المرشح الديمقراطي إقرار هذه المقترح.

مما سبق يتضح أنه بينما يكافئ «ماكين» الاستثمار في الخارج، يحرص «أوباما» على مكافأة الاستثمار في الداخل.

* خدمة «واشنطن بوست»

ـ خاص بـ «الشرق الاوسط»