النزوح.. مرة أخرى

TT

شهد الفلسطينيون في تاريخهم الحديث عدة موجات من النزوح الجماعي اضطروا فيها الى ترك مناطقهم ومنازلهم، وما زالت المخيمات الموجودة داخل الاراضي الفلسطينية وفي دول عربية شاهدا على ذلك، لكن ما حدث في غزة في الأسبوع الماضي هي أول حالة نزوح جماعي لفلسطينيين هرباً من فلسطينيين آخرين نتيجة قتال داخلي.

وهذه الاحداث المتمثلة في القتال الذي استخدمت فيه مختلف انواع الاسلحة وكسرت فيه الخطوط الحمراء التي كانت معلنة سابقا بتحريم القتال الداخلي شاهد على التدهور الذي وصلت اليه مسار الأمور الى الدرجة التي تدعو للشك في انه يمكن الوصول الى اي نوع من الاتفاقات فيما يتعلق باقامة الدولة الفلسطينية في وقت قريب.

تفاصيل ما حدث وسط الاتهامات المتبادلة التي تضع الجميع في حيرة، يصدقون من ويكذبون من؟ ليست بأهمية ما حدث، من محاصرة ميليشيا حماس التي البستها ثياب الشرطة لحي فلسطيني بالكامل واخراج سكانه منه الى الدرجة التي يضطرون فيها الى عبور الحدود والاحتماء باسرائيل، واخيرا الاتفاق على ترتيبات لنقل مئات من افراد عائلة موالية لفتح الى الضفة الغربية بعيدا عن سلطة حماس. فهل هذه هي البداية لتهجير كل من لا يوافق على حكم حماس لغزة.

ليس معنى ذلك ان الطرف الآخر منزه تماما. فمعركة السيطرة على غزة فيها كما يبدو الكثير من العناد والتفكير بشكل قصير النظر في اهداف حزبية ومصلحية آنية ولو على حساب المستقبل. لكن عادة ما تكون مسؤولية الطرف الذي يمسك بزمام السلطة ويفرض سلطته ولو بقوة الأمر الواقع أكبر من الطرف الآخر، فتدهور الاوضاع المعيشية والحصار الذي يتعرض اليه سكان غزة وانقطاع ارزاقهم هو في النهاية مسؤولية حكومة حماس لانها الطرف الموجود في السلطة الان ولا تقبل شريكا فيه بدليل انه من السهل اعادة فتح معبر رفح لو قبلت حماس وجود رجال السلطة الفلسطينية فيه وعودة الترتيبات التي كانت قائمة فيه عندما جرى الاتفاق على تشغيله.

والقتال الذي شهدته غزة قبل نحو اسبوع ليس الاول لان هناك احداثا سابقة على غرارها شهدها القطاع وربما بصورة اقل، ولن يكون الأخير لأن التنافس على السيطرة لن يتوقف عند حد او حدود فتح وحماس فهناك كما يبدو الان جماعات اخرى اصغر وأشد تطرفا اشتبكت مع حماس او تتحين الفرصة للصعود لانها تعتبر الحركة اقل من طموحاتها «الجهادية» مثل جيش الاسلام الى آخر هذه النمادج التي رأيناها في افغانستان والعراق ومناطق اخرى ضربها الاضطراب.

غزة كما يبدو هي اول محاولة نراها لوصول حركة الاخوان المسلمين الى السلطة في منطقة عربية، وهذا هو جزء من تفسير سر التشبث المثير للتساؤل والحيرة بالانفراد بالقطاع او تصدير الازمة للخارج مثل ما حدث سابقا عند معبر رفح على الحدود مع مصر حتى و لو كان ذلك على حساب المصلحة الفلسطينية الاطول. ولا تفسير لذلك سوى أن الاهم الان هو السلطة والحكم لان عودة السلطة مرة اخرى الى غزة، أو حتى القبول بالمشاركة يعني فشل المشروع الذي يبدو ان بين طموحاته التمدد والتوسع للوصول الى امر واقع جديد في المنطقة. وفي سبيل هذا المشروع ليس مهما من وجهة نظر اطرافه نزوح بضع مئات فالمهم الان هو تثبيت الحكم. لكن على الجانب الآخر فقد تكون التكلفة هي موت حل الدولتين وهو اساس كل الجهود التي بذلت منذ مؤتمر مدريد للسلام في اول التسعينات حتى الان.