سياسات الجهل

TT

أخيراً.. عثر أنصار الحزب الجمهوري على قضيتهم الرئيسة فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية لعام 2008، وهي ضرورة الشروع في التنقيب عن النفط داخل البلاد. وقد ساعدني هذا النقاش الدائر حول السياسات المتبعة إزاء قضية الطاقة في العثور على الكلمات المناسبة لوصف شعور تولد لدي منذ فترة تجاه الحزب الجمهوري، حيث أرى أن الحزب الذي بات يعرف منذ أمد بعيد باعتباره «حزب الأفكار» تحول في حقيقة الأمر إلى حزب الأغبياء.

في الواقع، لا أعني بذلك أن أعضاء الحزب الجمهوري بصورة عامة أشد غباء عن نظرائهم داخل الحزب الديمقراطي، وإنما أقصد هذا التوجه السائد لدى الحزب الجمهوري القائم على الجهل والذي يصر على وجود حلول بسيطة ومباشرة لكافة المشكلات، والاعتقاد السائد لدى الحزب بأن أي شخص يلمح إلى رأي مخالف لذلك يتسم بالضعف والتخاذل. وبذلك نجد أن الشعار الفعلي للجمهوريين أصبح «الرجل الحقيقي لا يمعن التفكير».

فيما يتعلق بقضية النفط، يتجلى هذا التوجه في تظاهر الجمهوريين بأن زيادة نشاطات التنقيب عن النفط داخل الأراضي الأميركية سيؤدي على الفور إلى تخفيف حدة الأزمة التي تشهدها محطات الوقود. بل وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، ادعى الجمهوريون داخل الكونغرس لأنفسهم الفضل وراء تراجع أسعار النفط خلال الأيام القليلة السابقة، حيث أعلن جون شاديج، عضو مجلس النواب من الحزب الجمهوري، أن «السوق تستجيب لحديثنا هنا».

لكن ماذا بشأن خبراء وزارة الطاقة الذين يؤكدون أن الأمر سيستغرق عدة سنوات قبل أن تثمر عمليات التنقيب البحري عن العثور على أي نفط على الإطلاق، وأنه حتى في هذه الحال سيأتي تأثير النفط الجديد بالغ الضآلة على محطات ضخ الوقود؟ ربما يرى الجمهوريون في هؤلاء الخبراء مجرد مجموعة من المتحذلقين، وربما كانوا من أنصار الحزب الديمقراطي.

وفي ظل هذا المستنقع السياسي الذي يسوده الغباء ليس بمقدورنا افتراض أن الحزب الجمهوري سيتذكر كيف تم الترويج لفكرة الحرب في العراق. لقد كان كل الحديث عن الأسلحة النووية العراقية مجرد غطاء خارجي ليس أكثر. ودارت الحجة السياسية الرئيسة للحرب حول فكرة «أنهم هاجمونا.. وسنقوم بالرد». وتعرض أي شخص أكد عدم وجود صلة بين أسامة بن لادن وصدام حسين لاتهامات بأنه منافق مخنث يكره الولايات المتحدة، وربما كان موالياً لفرنسا.

ودعونا لا ننسى أنه على امتداد سنوات عديدة شكل الرئيس بوش محور جهود ترمي لإضفاء هالة من التبجيل حول شخصيته وتصويره كشخص بسيط تمكن من الوصول إلى القمة من خلال شجاعته وسموه الأخلاقي.

في الواقع علينا أن نتذكر أن أعضاء النخب السياسية والإعلامية كانوا أكثر تأييداً لحرب العراق عن الرأي العام في خريف 2002، رغم أن ضعف حجة الحرب كان من المفروض أن تبدو أكثر وضوحاً أمام من يولون اهتماماً بالتفصيلات السياسية للقضية عن الناخب العادي.

والتساؤل الذي يفرض نفسه الآن: ما السر وراء هذا الطابع الصقوري الذي اتسمت به النخب الأميركية حينذاك؟ من جانبي، استمعت للكثير من الأفراد يعربون على الصعيد غير المعلن عن اعتقادهم بأن بعض المعلقين السياسيين البارزين أعلنوا أن الحرب فكرة جيدة، ليس لأن العراق شكل مصدر تهديد حقيقي، وإنما لأن تدمير أي دولة في الشرق الأوسط، بغض النظر عن ماهية هذه الدولة، سيثبت للمسلمين جديتنا. كل ذلك كان في الماضي.

والآن، يكشف النقاش الدائر حول قضية الطاقة أن الجمهوريين، رغم تدني شعبية بوش إلى مستويات قياسية والهزيمة التي منوا بها عام 2006، لا يزالون يؤمنون أن سياسات الجهل ناجعة. وربما كانوا على صواب في هذا الاعتقاد. من المؤسف القول بأن الحملة المناصرة لتعزيز عمليات التنقيب عن النفط واستخراجه تلقى أصداء سياسية واسعة، حيث كشف استطلاع رأي أُجري حديثاً أن 69% من الأميركيين يؤيدون توسيع نطاق عمليات التنقيب الخارجية (الأوفشور)، ويعتقد 51% منهم أن التخلص من القيود المفروضة على التنقيب ستحد من أسعار الوقود خلال عام. ومن المعتقد أن التقدم الذي يحرزه الجمهوريون على هذا الصعيد لن يحول دون توسيع الديمقراطيين لحجم الغالبية التي يتمتعون بها داخل الكونغرس، وإن كان سيقلص من مكاسبهم، وربما يؤدي إلى حدوث تحول في السباق الرئاسي والذي تكشف استطلاعات الرأي المرتبطة بها أن المسافة الفاصلة بين المتنافسين الديمقراطي والجمهوري ضئيلة.

* خدمة «نيويورك تايمز»