سوفياتي أو روسي

TT

هذه ليست روسيا السوفياتية بالتأكيد. هذه روسيا الروسية. الأولى دمرت هنغاريا وأرسلت أرتال الدبابات إلى ربيع براغ تدوس عليه بالجنازير، وفي الطريق قالت إن الذي أعلن الحرب هما براغ وبودابست. وأما روسيا الروسية فذهبت إلى الشيشان وأحرقتها وحولتها إلى رماد وها هي تبدأ في ترميد جورجيا، معلنة أن رئيسها هو الذي بدأ الحرب.

عندما دخلت روسيا السوفياتية إلى هنغاريا، كان الغرب متهاويا في ما قبل وما بعد عدوان السويس. وعندما دخلت دباباتها براغ كانت القاذفات الأميركية تقصف موانئ خي سانه وطريق «هوشيه من». واليوم تطلع الدب الروسي فرأى النسر الأميركي الجهيض عالق المخالب في العراق وفي أفغانستان وموثوق الجناحين فوق الحقل النووي الإيراني، خاسرا إذا انقض وخاسرا إذا هزم.

لا ندري ما الذي دفع روسيا إلى صب الزيت على رماد القوقاز من جديد. فحتى الآن كان أداء فلاديمير بوتين مشهودا. وقد أعاد، إلى حد بعيد، الهيبة التي تداعت مع غورباتشوف ثم مع بوريس يلتسين ووضع روسيا على خريطة الدول الاقتصادية، برغم أن 52% من الروس لا يزالون ضمن حزام الفقر. وثمة أمر غامض آخر، لماذا قرر بوتين غزو جورجيا في اليوم الذي فاخرت فيه الصين بأنها لا تزال أم الحرفيات في الأرض، وبانية الأسوار التي لا تقارن والاولمبياد التي تقزم كل ما سبق. ألم يقدم هتلر لحلمه العالمي باولمبياد برلين عام 1936 ومن حوله ملايين الألمان ينشدون صوتا واحدا: ألمانيا فوق الجميع؟

وماذا بقي أمام الصين أن تقطع لكي تصبح فوق الجميع؟ خلال «المسيرة الطويلة» أمر ماو تسي تونغ بجمع الشوك والملاعق والطناجر من البيوت لكي يقيم دولة صناعية لا تكتفي بغزل الحرير. أمس دفعت الصين 43 مليار دولار من فوائضها لكي تبلغ العالم، بالأضواء، أنها كانت قادمة، والآن ها هي وصلت.

هل هي مجرد صدفة أن يوقت الروسي حرب جورجيا في يوم الصين الأكثر بهجة في تاريخها؟ ربما لا. وربما دخل الروس عراقهم برغم قدرتهم الفائقة على إسكات البنادق بالدبابات وتدمير العواصم الصغيرة بالسوخوي. غريب أن يدمر فلادمير بوتين العاصمة التي جاء منها ستالين يحكم روسيا. حتى من خلف القبور.