خيارات مشرف بين الإقالة والاستقالة والتحالف السياسي

TT

تعرضت باكستان خلال الأيام القليلة الماضية إلى هزة سياسية ربما قد تفقدها توازنها السياسي التي حصلت عليه مؤقتاً بعد الانتخابات العامة التي عقدت في الثامن عشر من شهر فبراير(شباط) الماضي، والتي أفرزت حكومة ائتلافية في واقع الأمر لم تحقق الكثيرَ لا على الصعيد السياسي أو الأمني أو حتى الاقتصادي وإنما انخرطت في محاولات رأب الصدع الذي طال التحالف لتشكيل حكومة ائتلافية يقودها حزب الشعب الباكستاني، وبعد محاولات مضنية عبر مباحثات ماراثونية عقدها قطبا التحالف السياسي حزب الشعب الباكستاني لآصف علي زرداري ونواز شريف لحزب الرابطة الإسلامية المعارض لمشرف تمكنا من التوصل إلى آلية للتعامل مع أهم نقطة للخلاف بينهما ألا وهي إبقاء الوضع على ما هو عليه وتدار الحكومة الراهنة تحت مظلة مشرف أو التحالف للإطاحة به من سدة الحكم.

ولم تمر ستة أشهر على تشكيل الحكومة الائتلافية برئاسة جيلاني وبين حالتي الصد والرد بين زرداري وشريف، نجح الأخير ـ الغريم الأكبر لمشرف ـ بالضغط وبشتى الطرق على زعيم التحالف زرداري ليقنعه باتخاذ خطوة حاسمة للإطاحة بمشرف عبر القرار الذي توصلا إليه الأسبوع الماضي في العاصمة إسلام آباد وخرجا بمشروع قرار سيتم تقديمه في الجلسة المشتركة لمجلسي النواب والشيوخ التي ستعقد اليوم الاثنين، ليتم التصويت على هذا المشروع الذي يطالب بحجب الثقة عن مشرف كرئيس للجمهورية.

وبعد هذه التطورات السياسية الخطيرة ثمة تساؤلات تفرض نفسها على هذه السيناريوهات لاسيما بعد أن نجح التحالف الحاكم في محاصرة مشرف دستورياً وخيَّره ما بين خيارين؛ أحلاهما مر وهما إما الاستقالة وإما الإقالة.. فماذا سيختار مشرف؟؟ وهل سينجح التحالف المضاد في استخدام سحر الأرقام للإطاحة بمشرف عبر البرلمان؟ وإن حدث على سبيل الفرض.. ما موقف المؤسسة العسكرية التي تدعم مشرف في ظل سوء العلاقة بين جهازها الاستخباراتي وحكومة جيلاني. فمن يعرف الجنرال السابق والقائد الأسبق في وحدة مجموعة العمليات الخاصة يدرك وبكل المقاييس العسكرية وكل ما تحمله الأعراف العسكرية التي تربى عليها الرئيس مشرف فيؤكد بأنه لن يلجأ إلى خيار الاستقالة.. فبعد إعلان التحالف الحاكم قراره مساء يوم الخميس الماضي، لم يتوان مشرف عن التعاطي مع هذه التطورات ليؤجل زيارة مقررة له إلى الصين لحضور احتفالات أولمبياد بكين. وعقد اجتماعات مع حلفائه السياسيين ومساعديه الذين أكدوا أنه يعتزم الرد على هذه الخطوة وبقوة.

يرى كثير من المحللين أن موقف مشرف ليس بالسوء الذي تصوره وسائل الإعلام الباكستانية فما زال مشرف يحتفظ بحلفاء سياسيين داخل البرلمان (مجلس النواب) ناهيك من الحضور الكبير لأعضاء حزب الرابطة الإسلامية لـ«القائد الأعظم» في مجلس الشيوخ، مما يعزز من فرص مشرف وإفساد محاولة التحالف السياسي من إقصائه عن الحكم الذين يحتاجون على الأقل إلى 295 صوتاً لتمرير هذا القرار ناهيك من الشريحة المعارضة من بعض قيادات حزب الشعب الباكستاني الذين يعارضون قرارات ضد مشرف؛ وعلى رأس هذه القيادات مخدوم فهيم أمين، العضو البارز، ولكن السؤال.. هل سيجري الاقتراعُ سرياً أم علنياً على هذا القرار؟ وإن تم إعلانه سرياً فقد تكون فرص مشرف في النجاة من هذه الهوة السياسية التي حفرها له التحالف السياسي، وأنه ليس من المستبعد أن تقوم هذه القيادات في الأقل بالامتناع عن التصويت.

الخيار الثاني.. الذي قد يلجأ إليه مشرف في حالة تمرير هذا القرار ـ على سبيل الفرض ـ هو مثوله أمام البرلمان ليدافع عن نفسه أو يخول محامياً عنه للدفاع.. ولكن حتى في حالة فشل مشرف أو محاميه من إقناع البرلمانيين والمشروعين بسحب القرار ضده فما زال الرئيس يحتفظ برفع تظلم قضائي إلى المحكمة العليا، وهنا قد يحظى مشرف بولاء هؤلاء القضاة الذين قد يدعمون التماسه، وقد يلغون قرار العزل الذي أقره البرلمان.

أما الخيار الثالث.. وربما قد يعد الملاذ الأخير لمشرف هو استخدامه لسلاحه الدستوري الذي منح لنفسه في تعديلات دستورية شكك فيه السياسيون وقضاة المحكمة العليا المعزولون بقيادة افتخار محمد تشودري، وهو إقالة الحكومة وحل البرلمان الفيدرالي والبرلمانات الإقليمية بموجب بند رقم 58(2) / ب. فإنه وعلى الرغم من أن هذا الخيار قد يضع باكستان على شفير هاوية سياسية جديدة حيث سيحتدم الصراع السياسي بين معسكري الرئاسة والسياسيين، ولكن الخاسر الأكبر في هذه المقارعة هو لا شك الشعب الباكستاني الذي سيدفع فاتورة هذه المواجهة بمزيد من التدهور الاقتصادي وزيادة في نسب الغلاء وغيرها من العقبات الاقتصادية التي يواجهها الشعب، الساخط على الحكومة الحالية بسبب هذا التدهور.

على الرغم من أن قائد الجيش الباكستاني الجنرال/ كياني أكد في تصريحات عدة بأنه لن يسمح للمؤسسة العسكرية بأن تتدخل في السياسة، إلا أن هذه التصريحات الدبلوماسية المجملة لم تخف حالة الامتعاض التي أبداها بعض قيادات الجيش من القرار المفاجئ لحكومة جيلاني التي حاولت وضع جهاز الاستخبارات العسكري تحت الوصايا المدنية.. بناءً على تعليمات وضغوط أمريكية.

إضافة إلى أن الرئيس مشرف وقبل ينزع جلده العسكري عبر تنحيه عن منصب قائد الجيش حرص على تأمين ظهره العسكري بوضع قيادات موالية له. ومن المعروف أن الجنرال كياني يعد من أقرب القيادات التي تساند الرئيس، فهل سيكسر كياني القاعدة؟ فعادة كل الانقلابات العسكرية التي مرت بها باكستان جاءت من قائد الجيش الذي يتم تعيينه من قبل إما رئيس الوزراء أو رئيس الدولة.

وبين هذا السيناريو وتلك، يبقى المحدد الأكبر لسيناريوهات المستقبل السياسي سواء لمشرف أو الائتلاف مرهونة بعملية الاقتراع التي تجري لأول مرة في تاريخ باكستان السياسي.. ويبقى الاقتراع هو المحدد لمصير بلد نووي لم ينعم باستقرار سياسي على مدى العقود الستة؛ هي عمر هذا البلد النووي؛ وسؤال المليون يبقى.. مَنْ يدق الجرس؟

* محلل سياسي باكستاني