العدالة تسلك منعطفا خطيرا

TT

استهلت المحاكم العسكرية التي أنشئت بقرار من الرئيس عملها بالعديد من الخطب الحماسية.

وفي نوفمبر من عام 2001 أصدر الرئيس جورج بوش قرارا عسكريا يخول محاكمة الإرهابيين المشتبه فيهم أمام محاكم عسكرية. والإرهابيون الذين حذر الرئيس منهم هم أولئك الذين قد يتسببون في إحداث عدد ضخم من الوفيات ويعرضون عمليات الحكومة الأمريكية إلى الخطر. وتعد المحاكم العسكرية هي الوحيدة القادرة على تقديم هؤلاء الإرهابيين أمام العدالة، نظرا للمخاطر التي قد يسببونها لأمن الولايات المتحدة. ونظرا للطبيعة المتفردة للإرهاب، فمن غير العملي تطبيق مبادئ القانون وقواعد الأدلة التي يعمل بها غالبا في محاكمات القضايا الجنائية في محاكم المقاطعات في الولايات المتحدة. إذا فكيف ستعمل تلك المحاكم من أجلك سيادة الرئيس؟

بعد 61/62 عاما من الجدال والتأخير، استطاعت الإدارة يوم الأربعاء تحقيق نصر في محاكمات المحاكم العسكرية في خليج غوانتانامو بكوبا عندما أدانت أحد العقول الإرهابية المدبرة. قد يتبادر إلى ذهنك أنه أسامة بن لادن؟

لا، لقد شهد الأربعاء إدانة سالم أحمد حمدان سائق بن لادن الذي أدين بـ«جريمة حرب» وهي «تقديم دعم مادي للإرهابيين»، ومن المتوقع أن تتم إدانة طاهي «بن لادن» بتقديم دعم مطبخي للإرهابيين. المثير للسخرية أيضا، أن من بين الذين ينتظرون المحاكمة في غوانتاناموا اثنان من كبار الإرهابيين، على حد وصفهم، هما عمر قادر الكندي الذي كان عمره 15 عاما عند اتهامه بإطلاق قنابل يدوية على القوات الأمريكية في أفغانستان في يوليو 2002، وقد قضى أكثر من ربع عمره رهن الاعتقال في الولايات المتحدة. وكذلك محمد جواد الأفغاني الذي أدين بإطلاق القنابل اليدوية على القوات الأمريكية في أفغانستان فقد كان عمره 16 أو 17 عاما عندما اتهم في حادثة ديسمبر 2002 وهو كسابقه «قادر» معتقل في السجون الأمريكية منذ ذلك الحين. ولكي نكون منصفين فإن المحاكم العسكرية متهمة في مصداقيتها، ففي بداية عام 2007 نفي دافيد هكس المواطن الأسترالي، الذي سلم إلى القوات الأمريكية في أفغانستان مقابل 1000 دولار، التهم الموجهة ضده بتقديم الدعم المادي للإرهاب وأعيد إلى أستراليا حيث قضى 9 أشهر في السجن وهو الآن مطلق السراح.

أتمنى ألا تسيئوا فهمي فالقاعدة وطالبان أخطر المنظمات على وجه الأرض والرد العسكري ضرورة في بعض الأحيان والقوات الأمريكية على صواب في محاولتها شل حركة أو إعاقة تلك المنظمات التي تلقي بالقنابل عليها، وسائق بن لادن ربما يستحق السجن مدى الحياة. لكن هل هؤلاء الأشخاص هم سيئون إلى تلك الدرجة، هل هم إرهابيون خطرون يهددون استمرار عمليات الولايات المتحدة حتى أنهم لن يحاكموا أمام محاكم مدنية؟ هل أحدثت المحاكم العسكرية الهدف المنشود منها بعد اعتقال المئات من الأفراد وانتهاج طرق في الاستجواب مستمدة من الصينيين ومخابرات الاتحاد السوفيتي السابقة (KGB) وبعد هذا الكم الهائل الذي لا يحصى من الاعتراضات من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر؟

اتهام حمدان ربما لن يصمد أمام الاستئناف، فإدانته بجريمة حرب وهي تقديم الدعم المادي للإرهاب، لا تنضوي تحت أي قانون يعتبر تقديم الدعم المادي للإرهاب جريمة حرب، وهو الأمر الذي سيمكن محامي فريق دفاع حمدان من تفنيد الاتهام. إن أيا من ذلك لا يبشر بقدرة المحاكم العسكرية على محاكمة كبار الإرهابيين أمثال خالد شيخ محمد أحد العقول المدبرة وراء تنفيذ هجمات 11/9. المثير للمفارقة أنه في الوقت الذي تشغل فيه المحاكم العسكرية نفسها بمحاكمة أعضاء غير بارزين في القاعدة، تقوم المحاكم الفيدرالية بإدانة العديد من الإرهابيين الخطرين مثل زكريا الموسوي أحد المخططين لهجمات 11/9، وكذلك ريتشارد ريد الذي حاول نسف طائرة باستخدام حذاء ناسف.

إن الإدارة إذا كانت قد التزمت بالمحاكم الفيدرالية لكان الأمر قد انتهى الآن ولتمت محاكمة الإرهابيين الذين يشتبه في ضلوعهم بجرائم خطيرة ولكانوا أدينوا.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز»

خاص بـ«الشرق الأوسط»