«بساط الريح» الإيراني في هدوء ما قبل العاصفة

TT

مرة اخرى سيكون الرئيس الايراني احمدي نجاد هدف بعض الاقلام المتشددة في تركيا والتي ترجح لعب ورقة اميركا واسرائيل في السياسة التركية الخارجية لكن حكومة العدالة والتنمية جاهزة دائما لطرح البدائل وتقديم الخيارات التي تجنبها الوقوع في مثل هذا المطب وهي التي اثبتت براعتها في ادارة اللعبة حين حولت زيارة الرئيس الايراني الى زيارة عمل مركزها اسطنبول لتجنب ازمة عدم زيارته الى ضريح اتاتورك في انقرة الذي تتمسك القيادات الايرانية بعدم التوجه اليه منذ الثورة الخمينية في ايران.

الزيارة تهدف طبعا لمناقشة سبل تعزيزالعلاقات الثنائية التجارية السياسية بين البلدين حيث ستطالب تركيا بدعم ايراني لعضويتها الى مقعد في مجلس الامن الدولي وتدعو الى رفع حجم التبادل التجاري من 5 مليارات دولار الى الضعف خلال السنوات الخمس المقبلة والالتفاف على ازمات لها علاقة بامدادات الغاز الايراني الى المدن التركية والتعاون الايراني ـ الروسي حول تقاسم النفوذ على النفط والغاز في البلقان والقوقاز وآسيا الوسطى. كما هي تأتي وسط اجواء التنسيق المباشر في الحرب على الارهاب المتمركز على حدود البلدين مع العراق. لكن موضوع الازمة النووية الايرانية سيظل في قلب الزيارة وهدفها الاساسي.

انقرة التي تعرف تماما ان نجاد سيحاول التذكير بالمرونة والليونة التي يبديها في ملفات اقليمية دخلت تركيا مباشرة على خطها ويتقدمها مسار الوضع في لبنان والداخل الفلسطيني والمفاوضات السورية ـ الاسرائيلية وانه لن يقول الكثير في لقاء اسطنبول حتى تتبدد الغيوم السياسية في سماء واشنطن وتل ابيب مرجحا خيار الانتظار والترقب ستتمسك بما تردده خلال حملاتها الدبلوماسية الاخيرة حول ضرورة الاسراع في سحب الفيلة التي ولد بعضها في متاجر الزجاجيات الضيقة او حشر بعضها الآخر بالقوة لتهدد دائما امن واستقرار المنطقة وان الاضرار والخسائر التي لن يمكن تعويضها لا تطال اصحاب هذه المتاجر وحدها بل الدكاكين المجاورة وسكان الحي باكمله.

المصارحة التركية التي تحمل الكثير من التحذيرات والتمنيات والتي سيكررها الرئيس عبد الله غل امام ضيفه باسم الكثيرين لها علاقة مباشرة بـ«بساط الريح» الايراني المعروف عنه جودته واصالته وقدرته على المناورة اثناء التحليق لكن صورة الوضع المختلف هذه المرة وحجم المخاطر والمطبات الهوائية المرتقبة قد تطيح ليس فقط بالسجادة الايرانية بل بالكثير من التوازنات والمعادلات والتركيبات الاقليمية الجالسة اصلا على كف عفريت.

حكومة العدالة والتنمية التي اقنعت دمشق على ما يبدو بوجهة نظرها هي في اعتماد المزيد من الليونة والواقعية في التعامل مع اكثر من قضية وملف شرق اوسطي تحت شعار «من دق دق» والتراجع عن سياسات «عليّ وعلى اعدائي» سارعت كما يظهر الى مطالبة القيادة السورية بمشاركتها مباشرة في نقل الرسائل والردود الى طهران ومنها. وما تعريج الرئيس بشار الاسد على انقرة عبر زيارة خاطفة الى تركيا في طريق عودته من ايران سوى ترجمة فعلية لهذا التحول الذي يندرج ضمن التوجه السوري الاقليمي الجديد.

الانتقادات الاسرائيلية العنيفة لزيارة الرئيس الايراني الى تركيا وتوقعات السفير الاسرائيلي في انقرة انها ستكون زيارة تخيب امال الاتراك ووصف ما يجري باللحظة السوداء في تاريخ العلاقات التركية ـ الاسرائيلية وما سبقها من انتقادات وتهديدات ايرانية مماثلة لزيارة نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني الاخيرة الى انقرة والتي كان الموضوع الايراني وما يمكن ان تقدمه تركيا من خدمات في صلبها تظهر لنا بوضوح اهمية الدور الذي تلعبه تركيا في هذه الاونة جنبا الى جنب مع العديد من دول الاعتدال في المنطقة والجهود التي تبذل لاقناع البعض بخطورة ما يجري وما ينتظرنا من ازمات وحروب وانقسامات نحن بغنى عنها.

طهران تعرف قبل غيرها ان تركيا ردت الكثير من الاقتراحات والعروض التي حاولت سحبها واستدراجها الى لعبة توازنات جديدة لا تخدم السلم والامن الاقليمي وما اسراع الرئيس الايراني للاشادة بحجم الروابط التاريخية والثقافية التي تربط طهران بأنقرة وبالنمو والازدهار الكبير الذي حققته تركيا في السنوات الاخيرة ومبادرة القيادة الايرانية بطرح اضافة رقم جديد على معادلة 5 زائد واحد (الدور الالماني) زاد واحد (الدور التركي) الدولية سوى تراجع من قبل نجاد عن تهديدات العام المنصرم بضرب كل من يتآمر على بلاده ورسالة ايرانية واضحة حول الاستعداد لقبول ودعم الدور التركي واهميته ومصداقيته في حل الازمة النووية. طهران التي ستحاول الاحتفاظ بالكرة في وسط الملعب عبر تمريرات تكسبها الوقت والفرص الجديدة ستستمع الى ما قد لا يعجبها كثيرا في تركيا. فمعادلة اربح ـ اربح لا مكان لها في قاموس المنطقة والقاء نظرة خاطفة على ارشيف التاريخ سيكفي للتأكد من هذه الحقيقة. ومحاولات اقناع ايران بمراجعة حساباتها لن تكون طبعا سوى تراجع لصالح الامن والاستقرار الاقليمي ومساعي ابعاد اسلحة الدمار الفتاكة عن الشرق الاوسط وهو ما ينبغي ان تعرفه اسرائيل قبل غيرها. غل واردوغان سيقولان لنجاد ان تداخل الحسابات والمصالح يفرض على الجميع الجلوس امام طاولة الحوار وهي افضل بكثير لو كانت من صنع محلي ورتب لها لتكون من قبل دول المنطقة وباشرافها بدل ان يفرض علينا البعض حمل ملفاتنا وحقائبنا والتجوال الدائم قي عواصم الغرب ومدنه.

* كاتب وأكاديمي تركي