حماقة أهل جورجيا تذكرنا بحماقاتنا

TT

عندما نطالع ما يحدث في إقليم القوقاز يقول المرء لنفسه إنه يرى التاريخ العربي يعيد نفسه، لكن بدون عرب.

الجورجيون تعلموا متأخرين أنه لا يكفي أن يكون الحق إلى جانبك، بل لا بد أن تملك معه القوة. الجورجيون ظنوا أن علاقتهم بحلف الناتو في الربيع الماضي كاف لردع الدب الروسي من الهجوم المتوقع عليهم بسبب نزاع الأراضي المتكرر في تلك المنطقة. أوسيتيا وأبخازيا إقليمان متمردان لا يعترفان بانتمائهما للجمهورية الجورجية، وسبق أن أعلنت كل واحدة منهما نفسها جمهورية في نفس العام الذي أعلنت جورجيا جمهوريتها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في سنة 1991 .

عملياً، أوسيتيا وأبخازيا لم يلتحقا قط بالجمهورية الجورجية، ولا تربط سكان الإقليمين اي علاقة بجورجيا، بل يستخدمون الروبل الروسي، ويحملون الجوازات الروسية بمن فيهم رئيس الإقليم المنتخب محليا. ومع أن غالبية السكان تعتبر أنها أكثر ارتباطا بموسكو إلا ان لجمهورية جورجيا الحق القانوني حيث تشمل حدودها الرسمية المعترف بها دوليا كلا من أوسيتيا وابخازيا.

لكن الحق القانوني لا يكفي، جزار الاتحاد السوفييتي جوزيف ستالين قيل له ذات مرة إن البابا أصدر بيانا قاسيا ضدك، فرد عليهم: «كم دبابة لدى البابا؟». والمفارقة أنه من أصل جورجي، ولو تعلم أحفاده من جملته الشهيرة لما تورطوا اليوم. لجورجيا جيش من عشرة آلاف شخص فقط بأسلحة متواضعة، ولدى خصمها الروسي جيش جرار بأكثر من مليوني عسكري، مسلح كدولة عظمى.

أما من الناحية الشعبية فالحالة يمكن أن يقال إنها مشابهة لتيمور الشرقية التي تمردت على إندونيسيا، حينها نصح المجتمع الدولي جاكارتا أن تسحب قواتها وتعترف بتيمور دولة مستقلة وتخفف عن نفسها المشاكل، لأن تيمور الشرقية منذ استقلالها لم تتبع عمليا إندونيسيا ولم يعترف بها دوليا أيضا. بعد مواجهات دموية اختار الاندونيسيون القبول بالأمر الواقع، بدل الاستمرار في الخسائر.

جورجيا، التي أغضبها تمرد أوسيتيا، أرسلت قواتها إلى الإقليم الشمالي مستندة أولا إلى أن الإقليم تابع لها، وثانيا أنها بلد لديه علاقة خاصة مع حلف الناتو العملاق. لكن أحداً لم يدافع عن جورجيا لأن المعتدي روسيا، التي تعني مواجهتها حربا عالمية. أدرك حلف الناتو العظيم ما لم تفهمه جورجيا الصغيرة التي تمسكت، بعناد، بحرفية الحق القانوني ضاربة بفارق القوة عرض الحائط، ومتناسية أن الإقليمين عمليا ليسا تابعين لها شعبيا.

أعطى الجورجيون الفرصة والذريعة الكافية للروس لاستعراض قوتهم، ونصرة إخوانهم في أوسيتيا وأبخازيا، وتغيير الواقع السياسي بشكل مهين. لم يسمح الروس لمجلس الأمن حتى إصدار بيان تقليدي يطلب فيه من المتقاتلين وقف إطلاق النار، ولم يتجاوز أعضاء حلف ناتو تذكير روسيا بأن جورجيا دولة مستقلة، وانتهت الأزمة تقريبا بهزيمة مدوية.

ألم يكن أسهل على جورجيا الاعتراف بحقائق الأرض، أن أوستيتا وأبخازيا لا علاقة لهما بالجمهورية حيث عاش الإقليمان منفصلين بشكل كامل تقريبا. فالاعتراف بالنتيجة قبل وقوع المعركة كان خيراً للجورجيين من هزيمة منكرة، ونتيجة مؤكدة بالانفصال والاستقلال والتوقيع على التنازل أمام العالم.

[email protected]