لا تغدقوا الحوافز فإنهم لا يفهمون لغة الحوار

TT

أفرزت حرب السنوات الثماني دروساً كثيرة، تتصدرها مشكلة عدم معرفة قادة إيران الحاليين بلغة الحوار. وهذه بعض الأمثلة: في 28 سبتمبر 1980 رفضوا الموافقة على قرار لمجلس الأمن يقضي بوقف الحرب فيما وافق العراق عليه، أي بعد ثمانية أيام على بدئها، ولو وافقوا لما سجلت معطيات وقف إجباري للحرب لا يتمنوها. وفي ربيع 1982 قرر العراق سحب كامل قواته من الأراضي الإيرانية، وفعل ذلك، ورفض المسؤولون الإيرانيون وقف الحرب. وهكذا أفشلوا كل الوساطات، لأن الخميني وضع ثلاثة شروط تعجيزية: تفكيك الجيش العراقي، وحل حزب البعث، وخروج صدام من السلطة. تحققت جميعها فيما بعد، لكن ليس بيد الإيرانيين.

وبعد وقف الحرب اتفق الطرفان على تبادل الأسرى، حيث كان عندهم نحو سبعين ألف أسير عراقي مقابل أربعين ألف إيراني. ونتيجة مأزق احتلال الكويت والحاجة الى تحييد (كاذب) للجبهة الشرقية، جرى الاتفاق على أن تكون كل وجبة تبادل متساوية العدد، ولما سلم العراق ما لديه رفض الإيرانيون تسليم بقية الأسرى. وقصة الـ 140 طائرة معروفة.

واليوم يبدو الغرب وكأن كمبيوتراته ليست مليئة بسجلات المماطلات الإيرانية، فالمفاوض الإيراني من هذا النظام ممل ومراوغ، وفي كثير من الاحيان لا يعرف ماذا يريد، وما يريده الآن هو كسب المزيد من الوقت لا أكثر، ولم تكفهم خمس سنوات من التحايل والخداع والمماطلات، الى درجة جعلت دول 5+1 تقلص مهلة الإجابات الى إسبوعين ثم الى أربع وعشرين ساعة، ولا جواب مجزياً. لأنهم لا يفهمون لغة الحوار عندما تتوفر لأجهزتهم تقديرات تشير الى ضعف خصومهم أو صعوبة اتخاذهم القرار، وما أكثر أخطائهم، خصوصا في مجال حساب النيات والقدرات المقابلة، ولا أريد أن أقول عدا في مجال الخداع، لأنهم في هذا جربوا كثيراً وكثيراً وفشلوا.

ويبدو الموقف العربي، كل العرب، على غير ما ينبغي أن يكون، فمسؤول يصف إيران، خلافاً لمشاعره الداخلية، بالدولة الشقيقة والصديقة، وآخر يصفها بالمتعاونة وإنها تتعرض لاستفزاز غربي، وآخر يذهب الى أبعد من ذلك فيعطي البرنامج النووي الإيراني صك البراءة السلمية، فتزهق الدبلوماسية روح الصراحة. بعض الأقربين يحاولون التصدي المسبق لصواريخ شهاب بالدبلوماسية، والأبعدون من العرب تخلوا عن النظر صوب المشرق. وكأن قدر الغرب أن يتحمل مسؤولية أمن العالم وحده، وأن يتصدى في العلن وحده، ويجيش الجيوش وحده.

قبيل حرب الكويت 1991 بأيام، ذهب الى طهران وفد عراقي برئاسة ضابط معروف، وقدم الى إيران عدداً من الطلبات المتعلقة بين الطرفين، من بينها إعادة طائرة استطلاع خفيفة ضل طيارها فهبط في أراضيهم. وبعد انتهاء كل مطلب كان رئيس الفريق الإيراني المفاوض، وهو من كبار قادة الحرس الثوري، يقول (موافقون)، فيرد أعضاء فريقه بصوت عال (اللهم صلي على محمد وآل محمد). وفي النتيجة لم ينفذوا مطلباً واحداً.

وأخيراً وصف وزير الدفاع الأميركي حرباً جديدة في الشرق الأوسط بالكارثة في العديد من المجالات، ومع إن للوزير رأيه وتقييمه، لكن المشكلة تكمن في إن المسؤولين الإيرانيين يتلقفون هذه الأقوال كإشارات مصدقة لتقييمهم. ومع ذلك لا أحد يريد من الاميركيين الذهاب الى الحرب، لأنهم، على الأقل، لم يصلوا الى قرارت حاسمة غير حربية.

وتبقى الحال هكذا، مماطلات إيرانية، وصعوبات في مداولات الكبار ومجلس الأمن، تعززها حرب القوقاز. وتفكك عربي مشهود، ومحاولات خليجية للخروج من المعمعة بطريقة تبدو مستحيلة في حال وقوع النزاع. لأن ثقافة القيادة الإيرانية تختلف تماماً عن ثقافة المسؤولين على الضفة الغربية من الخليج، والمحنة تكمن في أهداف الجار الشرقي.

ولما كان من الحكمة الأخذ على محمل الجد التهديدات الإيرانية (قبل الإستدراك)، بغلق المضيق، وحرق المنطقة، طبعاً إن استطاعوا، وما نراه هراء ومكابرة ودعاية حرب مكشوفة. فلا بد من موقف عربي موحد ومتناسق مع الغرب لتوجيه رسالة مختصرة وواضحة وعلنية للمسؤولين الإيرانيين، مفادها، (برامجكم وتدخلاتكم تثير قلقنا، ولا مجال للقبول بعدم التعاون الكامل مع المجتمع الدولي). فموقف كهذا سيساعد الإيرانيين قبل غيرهم على مراجعة حساباتهم العدائية والمساهمة في حل سلمي. لأنهم سيشعرون بسخونة الصفيح الذي يتربعون عليه، بلغة مفهومة، وعندئذ تصح توصيفة الدولة المتعاونة والمسالمة..... الخ. ومع ذلك فلا تغدقوا لهم المحفزات لأنهم لا يفهمون لغة الحوار الحضاري.

[email protected]