أكّالات، مكّارات، نكّارات

TT

هو طبيب جراح وبارع ومشهور، ولكن حظه عاثر، وعقله أيضاً (ترللي) ـ وليعذرني لو أنني أفشيت سراً من أسراره وقلت هذا الكلام عنه، ولكنني أقوله من محبتي له، ولكي يستفيد الآخرون مما سوف أذكره.

ومع ذلك فسوف (يضيع هو بالحسبة)، لأنني أعرف على الأقل مائة طبيب جراح، أولهم (برنارد) أول زارع للقلوب، وآخرهم المطرب (جورج وسوف) صاحب أغنية (طبيب جراح) الذي قلت عنه يوماً إنني عندما أسمعه وهو يغني لا أدري هل هو يضحك أم يبكي؟! ولكنني أعتقد أنه يفعل الاثنين معاً ـ وهذه موهبة استفرد بها وحده، لأن (فريد الأطرش) يغني وهو يبكي، و(شكوكو) يغني وهو يضحك، أما المغني (خالد عبد الرحمن) فهو يغني بدون أن يضحك أو يبكي.

أعود لذلك الطبيب عندما زرته في منزله زيارة ودّية، فقلبها هو (مناحة).

عرفت أنه رجل طليق أو بمعنى أصح مطلق، فقد خلعته زوجته شرّ خلعة دون أي مراعاة لا لعشرته ولا لعواطفه، ومن حُسن حظه أنها لم تخلف منه لا ولد ولا بنت ولا حتى معزة.

أخذ المسكين يفضفض لي بلوعة تفطر كبد البعير، وكيف أنه كان وفياً وصادقاً وكريماً ومحباً لتلك المرأة التي (طمحت) عنه بدون سابق إنذار.

حاولت بقدر ما أستطيع أن أخفف عنه، وقلت له كاذباً: ولا يهمك، أغلب النساء ليس بهن خير، إنهن أكّالات، مكّارات، نكّارات، وإنني على استعداد أن آتيك بألف امرأة (وطب وأتخيّر)، ولكنني كلما أمعنت في فتح أبواب الأمل في وجهه، أمعن في مناحته إلى درجة أن دموعه أخذت تسيل على خدّيه كأي (وغد) ـ أي كأي طفل ـ.

قام من مكانه مهرولا، وكدت أجري وراءه خوفاً من أن يكون ناوياً على الانتحار، غير أنني لزمت مكاني بعد أن تذكرت مبدأ الحرية الشخصية التي أؤمن بها، وكل إنسان حر في حياته يفعل بها ما يشاء، غير أنه للأسف لم يفعلها وينتحر، وما هي إلاّ عشر دقائق وإذا به يأتي لي برسالة كان قد كتبها لزوجته التي ضاقت به وبعيشته ذرعاً، وقد كتب لها تلك الرسالة في أول يوم من شهر العسل وجاء فيها بأسلوبه المثالي الذي لا يروقني وقال:

«يا حياتي، ليس هناك أرض تزرع عاماً بعد عام بمحصول واحد، بل يجب أن يكون هناك تغيير وحركة، وإلا فقدت الأرض خصوبتها، وكذا الحب الذي يتطلبه الزواج الذي يكون في البداية من أجل الجمال، ثم يصبح حباً من أجل الصداقة، ثم حباً من أجل مواصلة الحياة، ثم حباً من أجل الراحة المتبادلة، هذه هي العناصر الأساسية التي تنظم الحياة الزوجية لينتج عنها ذخيرة من الخبرات الجديدة».

عندما قرأت هذه الرسالة، سألته: وبعدين؟!، قال: ذهبت وتركتني. سألته: أين هي الآن، هل هي في بيت أهلها؟!، قال وهو يتعبّر: إنها تزوجت. قلت له: طز فيها، فارتفع صوته محتجاً على كلامي قائلا: أرجوك احفظ لسانك ولا تقِل أدبك، فإنني ما زلت متيّماً بذكراها.

صمتّ احتراماً لمشاعره، ثم قلت له: أرجوك وطي تكييف (الايركندشن)، لقد ذبحني البرد، يا بارد.

وعرفت أخيراً أنها تزوجت من رجل (يشطح وينطح)، وهي لا تتعب من مرافقته في كل مدن العالم، ولهما في كل مربع من مرابع الليل (شنّة ورنّة).

أصعب شيء في الدنيا هو عشق الأطباء ـ خصوصاً الجراحين منهم ـ مع احترامي لهم.

[email protected]