روسيا: الاستقرار قبل الحرية

TT

غموض كثيف يحيط بالحرب التي اندلعت فجأة بين روسيا وجورجيا على خلفية النزاع على إقليم أوسيتيا الجنوبية، خصوصاً مع تبادل الاتهامات بين البلدين وصعوبة نقل معلومات دقيقة عن المعارك. فروسيا اتهمت جورجيا بممارسة تطهير عرقي بحق الأقلية الروسية في أوسيتيا الجنوبية فيما تُتَهم روسيا بممارسة الجريمة ذاتها خلال قصفها العنيف لمناطق سكنية في العاصمة الجورجية.

هذه الحرب باغتت العالم وغدت واحدة من أبرز مواضيع التغطيات الإخبارية. لكن على رغم انحسارها العسكري السريع، إلا أن حقائق كثيرة لا تزال تحتاج إلى تدقيق، خصوصاً مع التضارب في المعلومات وإصرار الخارجية الروسية على أن الإعلام الغربي منحاز ضد الكرملين.

إنها مناسبة جديدة تظهر صعوبات التغطية الصحافية حين يتعلق الأمر بشأن روسي فكيف إذا كانت عملية عسكرية؟ وهنا لا تزال ذكرى حرب الشيشان وتعقيدات التغطية الإعلامية فيها ماثلة في أذهان صحافيين كثر جوبهوا بعراقيل كثيرة ومخاطر كبرى حالت دون عكس حقائق تلك الحقبة. اليوم، يمكن بسهولة رصد امتعاض وتذمر مجموعة واسعة من الصحافيين الروس الذين يريدون تغطية حقيقة الحملة العسكرية الروسية لكن لا يسعهم ذلك نظراً للرقابة الواسعة الممارسة من قبل مؤسساتهم وصحفهم. وهذه الصعوبات تطال الحكومة الجورجية أيضاً التي فرضت حظراً على التقاط القنوات التلفزيونية ومواقع الانترنت الروسية.

يضاف إلى التعقيدات الآنفة خسائر الحرب الجديدة التي قتل فيها صحافيان وجرح ثمانية آخرون فيما اختفى مراسلان.

واندلاع الحرب بين روسيا وجورجيا دفع برئيس الوزراء فلاديمير بوتين صاحب الخبرة السابقة في حرب الشيشان إلى معاينة ميدانية وإدارة المعركة مباشرة على الأرض وهذا ربما ما أدى إلى حسمها سريعاً. والمعروف أن كثيرين يسبغون على رئيس الوزراء الروسي الحالي والرئيس السابق بوتين صفات التمايز وينسبون إليه النجاح في استقرار البلاد وتحقيق إنجازات أساسية اقتصادية وسياسية. لكن رجل روسيا القوي لا يربط كثيراً بين استقرار الدولة وإحداث انفراجات في الحريات. فحكم الرجل اقترن بقمع معارضيه، خصوصاً الصحافة. ولا ينسى الروس كيف قضت الصحافية المعارضة آنا بوليتسكافايا.

يمكن مثلا من خلال رصد الانتهاكات التي تعرض لها صحافيون روس بحسب ما وثقها «مركز حماية الصحافيين» CPJ منذ مطلع العام الحالي فقط سنجد أنها تجاوزت العشرين حالة وهي أعلى بكثير من دول كثيرة مجاورة فيما يسعى مجلس النواب أو الدوما لإقرار قانون يقيد عمل الإعلام.

هذا يعيد طرح علامات سؤال او استفهام حول مدى ارتباط الحرية بالتقدم على المستويات الاقتصادية والاجتماعية وهو سؤال خطير، فإذا كان الجواب سلباً بمعنى أن الحريات ليست متلازمة مع التقدم فهذا خطر لأن دولاً كثيرة ستستخدم هذه المعادلة لتتقدم اقتصاديا من دون أن يرافق ذلك تطور في الحريات.

يكفي أن تستغل المشاعر القومية كما هو حاصل اليوم بين روسيا وجورجيا لتقييد الكثير من الانتقادات وربطها بالمصالح العليا.

diana@ asharqalawsat.com