مغامرة في وادي الملوك (5)

TT

كان عمري 17 عاماً عندما زرت وادي الملوك لأول مرة ضمن رحلة جامعية في ذلك الوقت، ولم نهتم بمقابر الفراعنة وأسرار هذا الوادي لأن أغلب الرحلات الطلابية للأسف تركز على النشاط الترفيهي أكثر من المعلومات العلمية، ولكنني مازلت أذكر رهبة المكان الذي دفن فيه ملوك مصر، الذين بنوا مجدها وحكموا العالم القديم بالعلم والحق والعدل، أو كما هو معروف بين علماء الآثار المصرية بمبادئ الـ«ماعت»؛ رمز الحق والعدل والنظام في مصر القديمة.. ولكل ملك ممن دفن في وادى الملوك، قصة خلدتها آثاره وآثار من عاصروه من وزراء وحكام أقاليم وموظفين وحكماء وأدباء؛ كان من هؤلاء الملوك من اهتم بالفتوحات وتوسيع الإمبراطورية، يأتي على رأسهم جميعاً الملك «تحتمس الثالث»، الذي يسمى بـ«نابليون العصر القديم»، وإلى جانب الخبرة العسكرية التي تمتع بها «تحتمس الثالث» نعرف أنه كان عاشقاً للطبيعة محباً للنباتات والحيوانات، فسجل على جدران أحد قاعات معبد الكرنك التي أقامها تخليداً لذكرى فتوحاته وتعظيماً لشأن «آمون» رب المعبد أنواع الزهور والحيوانات المختلفة التى جلبها من البلاد التي أخضعها لحكم مصر في آسيا، وتعد مرجعاً مهماً لدارسي علم النبات وعلم الحيوان. وكان على النقيض من هذا الملك الذي شغل نفسه بالفتوحات وتوسيع جوانب الإمبراطورية الملك «أمنحتب الثالث»، الذي أطلق عليه لقب الـ«باشا» نظراً لحياة البغددة والترف التي عاشها جانياً ثمار فتوحات أجداده العظام فامتلأ قصره وقصور ومعابد طيبة بخيرات العالم القديم من كل شكل ولون.. وعلى الرغم من تعدد زوجات وحريم «أمنحتب الثالث»، إلا أن زوجته الملكية «تي» ظلت مسيطرة على أمور القصر، وأقام لها زوجها عددا من المنشآت التي خلدت اسمها، من أجملها بحيرة صناعية جميلة، لكي تتنزه بها في قارب صنع خصيصاً لها، وكان أيضاً من نواحي تكريم الملك لها هو أن أمر بدفن والديها «يويا» و«تويا» في وادي الملوك. وفي أواخر أيام «أمنحتب الثالث» تكالبت عليه الأمراض، التي ربما تكون حياة الترف سبباً فيها وعندما عجز الأطباء عن شفائه أمر بأن توضع مئات من التماثيل للآلهة «سخمت» ربة الشفاء داخل معبده الجنائزي، الذي كان يتقدمه التمثالان المعروفان باسم تمثالي «ممنون» وكشفت بعثة ألمانية بجوار هذه التماثيل عن تماثيل أخرى ضخمة للملك «أمنحتب الثالث» والملكة «تي»، بالإضافة إلى أكثر من 80 تمثالا لـ«سخمت».

وتظل قصة كشف مقبرة «توت عنخ آمون» أهم قصص الوادي إثارة وتشويقاً، حيث كُشفت المقبرة كاملة وكنوزها التى لا يوجد على الأرض مثيل لها تفصح عن مدى ما تمتع به المصريون القدماء من ثراء مادي وفني مذهل، وقد تلا كشف المقبرة عدد من القصص عن لعنة الفراعنة، خاصة بعد وفاة اللورد كارنارفون ممول الكشف بحوالي ثلاثة أشهر. وقبل الكشف عن مقبرة الفرعون الذهبي، كان وادي الملوك قد أباح بسر مقبرة الملك «أمنحتب الثاني»، التي عثر بها على 12 مومياء مخبأة خلف جدار منقوش بالنصوص الهيروغليفية والمناظر.

لم أكن أتخيل وأنا طالب جامعي يزور وادي الملوك لأول مرة، أنني سوف أعود إلى هذا المكان وأقوم بالحفائر فيه وأدخل أنفاق مقابر الفراعنة لأكشف عن المزيد من أسرارهم ومعجزات عصر شهد قيام أعظم حضارة إنسانية..

www.guardians.net/hawass