صفحة من الصهيونية

TT

في الحركة الصهيونية دروس كثيرة جديرة بالاعتبار. من ذلك أن الحصول على وعد بلفور والاستيلاء على فلسطين لم يتم بجهود اليهود في فلسطين أو الشرق، وإنما جرى بجهودهم في العالم الغربي، بعيدا عن الساحة كليا.

العالم العربي ممزق الآن، وتعبث بمصيره وشؤونه فئات قاصرة ومتشنجة في أكثر الأحوال. لا قدرة لأكثرها على التعامل مع متطلبات العصر وظروفه. صوت العقل والواقع ضائع بينها. وجماهيرها أكثر جهلا منها. تحت هذه الظروف والحياة المرهقة، اضطر أصحاب المواهب والقدرات إلى الهجرة للغرب، إلى مراكز صنع القرارات المصيرية. راحت كوادرهم تتعاظم عددا وأثرا.

هناك الآن نحو ستة ملايين فلسطيني يعيشون في الخارج، الكثير منهم في أوربا وأمريكا. وجلهم من المتعلمين والخريجين والمتنفذين. كل يوم نسمع عن عالم من أصل عربي يتولى مهمات خطيرة. قبل بضعة أيام فقط اكتشفت أن عالما من أصل عراقي عضوا في مجلس اللوردات، لورد درزي، يتولى توجيه وزارة الصحة البريطانية. هناك عدد من العرب والمسلمين يتولون مناصب وزارية وبرلمانية كثيرة في أوربا. وما زلنا في أول الطريق.

هذه الكوادر العربية والإسلامية آخذة في التزايد في الغرب وتتعاظم أثرا ونفوذا. ما زال الكثير منها يعاني من مركب النقص وقلق البروز وتبني القضايا العربية. ولكن هذا الخوف قد يتلاشى بمرور الزمن واكتساب الثقة بالنفس، ربما على الأقل بالنسبة للجيل الثاني منهم المولود في الغرب. هناك إمكانية كبيرة لتعبئة هذه الجالية الكبيرة والمتزايدة في تبني قضايانا الوطنية وفرض كلمتها على الأحزاب والمؤسسات الغربية على نحو ما فعل اليهود الاشكناز في تأثيرهم على سياسات الحكومات الغربية.

ومع ذلك، فهناك خطر ذوبانها وابتعادها كليا عن جذورها وقضايا أوطانها الأصلية. كثيرا ما ألتقي بمثل هؤلاء الأفراد العرب الذين لم يعد يربطهم أي شيء بوطنهم العربي، بل أصبحوا يتنكرون له وينكرون جذورهم. ومن يلومهم وعالمنا العربي على هذه الحالة المتردية؟

هذا هو المفترق الذي يضع مسؤولية كبيرة على أصحاب الحل والعقد في عالمنا العربي وضمن صفوف رؤوس الجاليات العربية والإسلامية. وهي مسؤولية تقع أولا وآخرا على كاهل الجامعة العربية والمنظمات الإسلامية والمسيحية العربية. هذه عملية استراتيجية تتطلب خلق لوبي عربي إسلامي عتيد في الغرب. وخلق هذا اللوبي يتطلب بدوره شد أواصر هذه المجموعات العربية والإسلامية بالوسائل المختلفة، وفي طليعتها إقامة نواد وجمعيات ومراكز ثقافية تضطلع ببرامج متواصلة منتظمة ودورات دراسية وسفرات موسمية ونحو ذلك من أوجه النشاط الثقافي والاجتماعي المعتادة. بدون ذلك، ستتشرذم الجالية وتضيع كلمتها ويتفرق أبناؤها وينسون حتى تاريخهم وجذورهم.

وأرجو ألا أشط في تأملاتي فأقول: هل سيكتب لأبناء هذه الجالية أن تعيد دور الجمعيات العربية التي قادت حركة التحرر العربي من الخارج في أواخر القرن التاسع عشر، أو دور الحركة الصهيونية التي حصلت لليهود على دولتهم من الخارج؟

www.kishtainiat.blogspot.com